أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد شومان

سوسيولوجية الإعلانات.. وأسئلة محيرة

الأحد، 26 يونيو 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- المشكلة أن القوانين الحالية الخاصة بتنظيم قواعد وآليات الإعلان قديمة للغاية


أثار مقالى السابق عن سوسيولوجية الإعلانات فى رمضان نقاشا واسعا مع أصدقاء أكاديميين وإعلاميين وبعض القراء، وأثار النقاش ملاحظات أسئلة مهمة للغاية، واعترف أننى تعلمت من ملاحظات الجميع كما شاركتهم الألم والحسرة على حالة استسلام المجتمع وصناعة الإعلام للهيمنة الشرسة لأمبراطورية الإعلان والمعلنين ووكالات الإعلانات، حيث بالغت الأخيرة فى ابتكار وترويج إعلانات متخمة بفيض هائل من الصور والكلمات الخارجة والرموز الجنسية التى تتحدى المشاعر والقيم المتفق عليها فى المجتمع فضلا عن مواثيق الشرف المعمول بها فى مجال الإعلان والإعلام فى العالم.

صديقى د. محمد محيى الدين واحد من أهم خمسة أساتذة اجتماع فى مصر، أن لم يكن الأهم بينهم، أشار إلى كم الإعلانات التى تطلب من الناس التبرع لهذا الغرض أو ذاك. وأضاف: «يثير هذا سؤالا ذا طبيعة سوسيولوجية أكثر من كونه ذا طبيعة إعلامية». السؤال مؤداه: «إلى أى مدى تغطى تبرعات الطبقة الوسطى على فشل الدولة فى الوفاء بالتزاماتها الدستورية فى مجالات الخدمات المختلفة؟ وكم يبلغ حجم هذه التبرعات؟» واختتم د. محمد محيى الدين تعليقه بالقول: «أعرف أن الإجابة على هذه الأسئلة شديدة العسر ولكنها واجبة الطرح».

ونبهنى استاذ إعلام من السعودية إلى ضرورة دراسة سميولوجيا الإعلان إلى جانب سوسيولوجيا الإعلان مع التأكيد على الترابط بينهما، وذكرنى مشكورا بدراسة لى نشرتها قبل 18 سنة عن سميولوجيا الإعلانات التى تروج للعولمة المتوحشة فى مصر، وللعلم فإن سميولوجيا الإعلان تعنى ببساطة الصور والرموز والدلالات التى يستخدمها الإعلان ويروج لها. أما الزميلة د. هبة صالح المقيمة فى لندن فقد أشارت إلى الآثار السلبية المدمرة لبعض الإعلانات على الجمهور، وقالت فى تعليقها: «يحضرنى فى هذا الموقف من سجلات الأمن والإرهاب فى فترة التسعينيات أن طالبا فى نجوع الصعيد، التى لا يصلها الحد الأدنى من ضرورات الحياة حينئذ، قد انضم إلى تنظيم إرهابى بسبب إعلان استفزازى للترويج وقتها عن البيتزا، وهو الذى لا يجد الطعام الذى يصلب به قوته، فما بال هذا الفتى أن شاهد إعلانات اليوم!!»

وأثار قارئ ذكى إشكالية تعريف أخلاق المجتمع أو القيم المتفق عليه، وقال إن ما قد أراه فى إعلان ما، انتهاكا للأخلاق العامة، قد يعتبره شخصا أمرا عاديا، وبالتالى لابد من ضبط وتعريف مفاهيم الأخلاق العامة وقيم المجتمع، حتى لا نفرض رقابة صارمة على حرية الإبداع فى إعلان، وأنا اتفق مع هذا التعليق تماما، وأرى أنه لابد من فرض رقابة مجتمعية لاحقه على بث الإعلانات، وهذه الرقابة المجتمعية يقوم بها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أو جهة تابعة له، إضافة إلى جمعيات الدفاع عن حقوق المشاهدين ومنظمات المجتمع المدنى. باختصار وحتى لا يخلط البعض الأوراق بين حرية الإبداع فى الإعلان والرقابة أقول إنه لا يوجد مجتمع لا يمارس ضبط ورقابة لاحقة على الإعلانات، وكلمة لاحقة واضحة هنا، وتختلف تماما عن الرقابة السابقة، فلا يجوز الحصول على موافقة جهة رقابية قبل بث الإعلان كما يحدث فى الرقابة على المصنفات الفنية، وأنا ضد كل أشكال الرقابة على الإبداع قبل التصوير أو الإنتاج أو قبل البث، لأن التنظيم الذاتى ومواثيق الشرف هى التى تلعب هذا الدور، أما بعد البث فإن من حق المجتمع أن يمنع أو يسمح فى ضوء قواعد ومعايير واضحة، تطبق بشفافية ومساواة على الجميع.
وتبقى ملاحظة أخيرة تتعلق بكيفية إنهاء حالة استسلام صناعة الإعلام والمجتمع لامبراطورية الإعلان والمعلنين ووكالات الإعلان.. وأتصور أن تنظيم مجال الإعلان فى الطرق والشوارع ووسائل الإعلام بالقانون هو الآلية الوحيدة المتاحة لضبط هذه الفوضى غير الأخلاقية وغير المهنية التى تفسد حياتنا، إضافة إلى التنظيم الذاتى ورقابة المجتمع المدنى. لكن المشكلة أن الدستور لم يهتم بالموضوع كما أن القوانين الحالية الخاصة بتنظيم قواعد الإعلان قديمة للغاية، ولا تعالج بوضوح علاقة الإعلان بتحرير المواد الإعلامية أو إنتاج وعرض برامج التليفزيون والدراما. والأدهى أن مشروع تنظيم الإعلام لم يهتم بتنظيم علاقة الإعلان بالإعلام وحقوق المشاهد، والمشاكل التى تثيرها امتلاك وكالات إعلان لوسائل إعلام. وهو موضوع مقال قادم.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة