لماذا لا ندفع شبابنا فى المناصب الدولية؟.. كلنا اعترضنا على فوز السفير الإسرائيلى لدى الأمم المتحدة، دانى دانون، برئاسة لجنة القانون الدولى بالأمم المتحدة فى الانتخابات السرية، التى جرت الاثنين الماضى بنيويورك، واعتراضنا مشروعا، فإسرائيل تتعامل الآن وفق مبدأ «حاميها حراميها»، فهى الدولة الأولى عالميا فى انتهاك قواعد القانون الدولى، لكنها فى نفس الوقت تتولى رئاسة اللجنة المسؤولة عن تطبيق القانون الدولى فى العالم.
اعترضنا جميعاً على الاختيار، ولنا كل الحق فى ذلك، لكن يجب ألا ننسى شيئا مهما لم نلتفت له، وربما يكون السبب فى نجاح المرشح الإسرائيلى، وهو عمر المرشح، فدانى دانون من مواليد 8 مايو 1971، أى أن عمره الآن 45 عاماً، وهو ما يشير إلى العقلية التى تسيطر على العالم الآن فى اختيار المسؤولين فى المنظمات الدولية، فالمعيار الآن لم يعد كما كان مرتبطا بالخبرة السنية، وإنما هناك توجه دولى لفتح الأبواب أمام العناصر الشابة.
عودة مرة أخرى إلى لجنة القانون الدولى فى الأمم المتحدة، والمشكلة من 34 من أساتذة وخبراء القانون الدولى على مستوى العالم، يتم انتخابهم من الجمعية العامة للأم المتحدة، وتعد هذه اللجنة الهيئة الدولية المعنية بتدوين أحكام القانون الدولى العام، وصياغتها فى صورة معاهدات جماعية، وتتولى عرضها على الجمعية العامة لمناقشتها والتفاوض عليها وتبنيها، ونجحت هذه اللجنة فى صياغة عدد كبير جدا من المعاهدات الجماعية، التى تعتبر المصدر الأول والرئيسى لأحكام القانون الدولى، وكل هذا يقودنا إلى أن المنصب الذى حصلت عليه إسرائيل هو منصب مهم، حيث يقوم أحد مواطنيها وفى عمر 45 سنة برئاسة هذه اللجنة الدولية المهمة، بما يعنى أن أصبح لها تأثير مباشر على أعمال هذه اللجنة، وما تقدمه من مشروعات للمعاهدات الدولية.
وجود دانى دانون ذى الـ45 عاماً فى هذا المنصب المهم، دفعنى للتساؤل، أين قرنائه من المصريين الذين يمكن أن يكونوا أعضاء باللجنة وأيضا يكون لهم الحق فى تولى رئاستها، نظرا لأهمية الموقع الدولى، ودفعنى الفضول للبحث عن أساتذة القانون الدولى المصريين فى هذا السن، وما هى فرصهم للحصول على مثل هذه المناصب الدولية، وأن يحصلوا على دعم مصر مثلما دعمت إسرائيل دانون ومكنته وتمكنت من خلال من احتلال هذا الموقع الدولى المهم، وقد حكى لى أحد الدبلوماسيين السابقين قصة توقفت أمامها، وحاولت البحث فى دلالاتها، الرواية تعود إلى 2010 حينما كانت مصر تستعد للدفع بمرشح مصرى لعضوية لجنة القانون الدولى بالأمم المتحدة، وقام أحد أستاذة القانون الدولى بأحد الجامعات المصرية الكبرى، وكان عمره فى هذا الوقت أربعة وأربعين عاما بإبداء رغبته فى الترشح، وهو الأستاذ المصرى الوحيد الحاصل على درجة الدكتوراة فى القانون الدولى العام، من أحد أهم الجامعات البريطانية وهى «مدرسة لندن للعلوم السياسية والاقتصادية»، ونشرت رسالته بعد عدة أعوام باللغة الإنجليزية من أحد أكبر دار النشر على مستوى العالم، وقام هذا الأستاذ المصرى بجمع أبحاثه ومؤلفاته باللغات العربية والإنجليزية وقدمها لوزارة الخارجية، وبرر طلبه بأنه فى سن مناسب ليحصل على دعم الحكومة المصرية، وليكمل مسيرة الأساتذة المصريين الرواد فى هذا المجال مثل حامد سلطان وعبدالله العريان وحافظ غانم وعبد الحميد بدوى وبطرس غالى وغيرهم .
لكن كانت المفاجأة أن وزارة الخارجية ردت على طلب هذا الأستاذ بالاعتذار والرفض لصغر سنه ،حيث إنه كان يبلغ من العمر 44 عاماً، وبعد ذلك قدمت للأمم المتحدة ترشيح الدكتور حسين حسونة، السفير السابق بوزارة الخارجية، رغم أنه تقاعد من عمله كسفير لمصر فى نهاية التسعينيات، وكان يشغل منذ عام 2002 منصب ممثل الجامعة العربية بواشنطن.
الغريب أن القصة التى حدثت فى 2010 تتكرر الآن، فالخارجية قررت هذا العام الدفع بالدكتور حسين حسونة للمرة الثالثة على التوالى لإعادة ترشيحه لعضوية هذه اللجنة فى الانتخابات المقررة لعضويتها عام 2017 .
السؤال الآن هو: متى يمكن أن تستثمر مصر طاقات أبنائها الشباب؟ أليس من حقهم أن ينالوا دعم وطنهم فى سن مناسب لتحقيق قصص نجاحات على المستوى الدولى مثل الآخرين، وأليس من حق مصر أن تستفيد منهم أيضا وتستثمر فيهم حتى يكونوا قادرين على خدمة مصر فى الخارج، و أليس من حقهم أن يبرزوا دوليا ويحصلوا على دعهم مصر مثلما حصل دانون على دعم إسرائيل؟ أليس من حقنا أن نتقدم بعناصر وطنية قادرة على المنافسة الدولية، وأن نضع فى الاعتبار المعايير الدولية وليس المعايير المحلية؟
قصة دانون ومعه كثيرين تقلدوا مناصب دولية فى هذا السن يمكن أن تكون درسا مستفادا منه لكى نعيد تقييم شروط اختيارنا لمرشحينا فى المناصب الدولية، وألا تكون الخبرة مرتبطة بالعمر فقط، وإنما فى العلاقات وتحقيق النجاح والطموح أيضاً، والقدرة على العمل .
عدد الردود 0
بواسطة:
ألشعب الاصيل
سؤال غايه في الاهميه ..لماذا يصعب إجابته كلما طرح للنقاش
بدون