د. محمد على يوسف

زمن «التوك توك»

السبت، 18 يونيو 2016 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صارت القيادة مختلفة وأكثر إثارة وشغفاً وخطورة
هل تذكر ذلك الزمن الجميل الذى كانت فيه الطرقات تخلو من «التوك توك»؟.. تلك الأيام الخوالى حين كانت القيادة على طرقات السفر أكثر أمنًا وأقل مخاطرة، حين كانت أعظم التحديات التى تواجهك كسائق على طريق سفر تتمثل فى سائقى الشاحنات السهرانين لأيام، أو تلك المطبات المفاجئة التى قرر الأهالى بناءها، «ولفظ بناء لفظ مقصود ليناسب حجمها الهائل»، وذلك حين وقعت حادثة أمام قريتهم فتفتقت أذهانهم عن الحل المنطقى الوحيد الذى سيقيهم الحوادث فى المستقبل «المطب»، كنا نتعايش مع كل ذلك، ونتعامل معه بواقعية، ونعد العدة له، ولم نعد نفاجأ بطيران السيارة فجأة ثم هبوطها على الجانب الآخر من المطب بسلام أو بغير سلام حسب النصيب، نعم كانت هذه هى الكلمة الدقيقة التى تصف حال القيادة عبر طرق مصر السريعة «نصيب»، كان ذلك حتى جاء زمن «التوك توك»!

ذلك الاختراع الهندى العجيب الذى قرر المصريون اختياره وحده، وترك كل تقدم الهند فى مجال الإلكترونيات، وصناعة الحاسب الآلى بكل فروعها، واعتلوا بهذا التقدم هرم المستثمرين والمديرين والمهندسين بوادى السيليكون الأمريكى، المقر الأهم لأكبر شركات الإلكترونيات فى العالم، قرر المصريون أو كثير منهم أن هذا الاختراع هو أعظم ما قدمته الهند للبشرية، ومن ثم كان عليهم اقتناصه واستغلاله وتعميمه، كما لم يعمموا شيئًا مثله، وليتفوقوا فى استخدام هذا الاختراع على كثير من الدول الآسيوية النامية التى ربما سبقتهم إليه. لم يهتم المصريون أن كثيرًا من الدول تعتبر «التوك توك» مركبة غير مطابقة لمواصفات الأمان، بل أقبل المصريون عليه بشراهة منقطعة النظير، لدرجة جعلت كثيرًا من أصحاب الحرف و«الصنايعية» يهجرون حرفهم، ويتركون صنعتهم فى سبيل اقتناء هذا الاختراع المذهل «التوك توك».

حتى وقت قريب كان ذلك الإقبال مقصورًا على القرى والمراكز الصغيرة، وكان المرء منا يحمل هم المشوار الذى سيضطر فيه لأن يخوض طرقات تلك المراكز لما سيواجهه جراء احتكاكه بهذا السيل المنهمر من العربات التى تشبه الفئران فى حدة حركاتها، ومفاجآتها التى لا تنتهى، وحتى هذا الحين كان الأمر محتملًا، ويمكن التعامل معه بأن تركن سيارتك مثلً،ا وترضخ لسطوة «التوك توك» على شوارع تلك المراكز والقرى، أو ألا تذهب أصلًا بسيارتك وإلا فلا تلومنّ إلا نفسك. اليوم صار الأمر مختلفًا، لقد قرر سائقو «التكاتك» أنهم ليسوا أقل من الشاحنات وسيارات النقل والميكروباصات والسيارات الملاكى والأجرة والدراجات البخارية، لقد قرروا أنه قد حان الوقت ليكون لهم مكانهم الموقر على الطرق السريعة، وفجأة تفجر السيل الهادر، وبدأت «التكاتك» فى غزو الطرقات، وصاروا وكأنهم من كل حدب فيها ينسلون، ومن كل صوب ينهمرون.

المشكلة أنهم اتخذوا ذلك القرار جنبًا إلى جنب مع ما اتخذوه من قواعد أخرى قرروا أنها أصول غير خاضعة للنقاش منها.. «التوك توك» دائمًا على حق.. الأولوية دائمًا لـ«التوك توك»، إن قرر المرور فعليك انتظاره.. لـ«التوك توك» الحق فى أن ينحرف يمنة أو يسرة متى شاء، ودون إشارة أو سابق إنذار، وعليك أن تتوقع حركته المقبلة والاستعداد لها.. «التوك توك» بطىء نظرًا لقلة سعة محركه، فلا تخاطر بتجاوز أى سيارة لأنك ستجده فجأة فى وجهك، أما إذا ما وقع المحظور وحدثت الحادثة التى كان «التوك توك» طرفًا فيها فتذكر القاعدة الأولى.. «التوك توك» دائمًا على حق، ولا تنسَ أنك غالبًا بجوار قريته فى تخوم عزوته، وهو على حق، فربنا يستر على اللى هيحصل بعد ما حدث لسيارتك.

فى الواقع لقد صارت القيادة فى زمن «التوك توك» مختلفة، صارت أكثر إثارة وشغفًا، وصار كل مشوار عبارة عن تحدٍ ينبغى أن تنتصر فيه، وانتصارك يكون فقط بأن تنجو وتعود سالمًا إلى بيتك وأهلك. الجانب الإيجابى أنك ستكتسب مهارات جديدة، وقدرات على المناورة، وملكات غير عادية، أزعم أنك ستكون فى النهاية سائقًا مختلفًا تتفوق على كثير من سائقى العالم الذين لم يتعرضوا لتلك التجربة المثيرة، تجربة القيادة فى طرقات مصر فى زمن «التوك توك».








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة