محسن حسنين

المساواة فى الكوسة عدل..!

الجمعة، 10 يونيو 2016 01:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
روىّ لى صديق يعمل نائبا لمدير فرع أحد البنوك الكبرى رواية أغرب من الخيال.. فقد أعلن البنك الذى يعمل فيه عن مسابقة بين نواب الفروع لتولى رئاسة الفروع الجديدة التى قرر البنك افتتاحها فى العديد من المناطق.. وكان من شروط المسابقة أن من يحصل على 70% فما فوق فى الاختبارات التى يجريها البنك هو الذى يحق له دخول الاختبارات التالية المؤهلة للمنصب القيادى.

وقال الرجل إنه بعد استبعاد الراسبين الحاصلين على أقل من 70% فوجئ الجميع بقرار فوقى يقضى بتعديل النسبة لمن يحق له استكمال الاختبارات إلى 64 % بالضبط.. يعنى لا 65 % ولا 66%.. !

ولولا الملامة لأعطوا أوصافا أدق لصاحب الـ64% المحظوظ، كأن يقولوا مثلا ويشترط أن يكون أسمر البشرة وعلى خده اليمين شامة وأول حرف من اسمه رمضان مبروك أبو العلمين حمودة ..!!

وليت الأمر وقف عند هذا الحد.. لكن فجأة وبدون سابق إنذار تم إلغاء الإختبارات التالية للحاصلين على الـ64% وتم تعيينهم، بدون اختبارات، مديرين لفروع البنك وتم استبعاد عدد كبير من الناجحين الحاصلين على 70% فما فوق..!

وقال الرجل لى بأسى: لقد شعر كل من تقدم للامتحان بإحباط شديد فقد كان من الواضح أن هناك "كوسة كبيرة" لبعض الحاصلين على 64%.. وكان تعيينهم أمرا مقضيا.. لكننا فقط كنا نتمنى لو ساووا بين الناجحين وبين الراسبين "بتوع الكوسة"..!!

فالمساواة فى الكوسة عدل..!


وقد ذكرتنى هذه الواقعة بواقعة أخرى حدثت فى فترة التسعينيات عندما كان الكاتب الكبير جمال بدوى رئيسا لتحرير جريدة الوفد.. فقد كتب منتقدا أحد كبار مسئولى وزارة الصحة، لأنه أصدر قرارا بتعيين ابنه الشاب حديث التخرج مديرا لأحد المستشفيات الحكومية.. وفجأة دخل على الخط كاتب كبير مدافعا عن المسئول الكبير وقراره بتعيين نجله مديرا للمستشفى، وساق الكاتب أغرب مبرر لذلك التعيين المشبوه؛ وهو أن الطبيب الشاب صاحب أجمل هدف تم تسجيله فى إحدى اللعبات الجماعية..!!

ولم يكتفِ الكاتب بذلك بل ساق ما هو أغرب إذ أكد أنه، على سبيل المثال، لم يتردد لحظة، عندما كان رئيسا لمجلس إدارة ورئيس تحرير إحدى المؤسسات القومية، فى ترقية أحد أقاربه، رغم صغر سنه، ليصبح الرجل الثانى بعده فى المؤسسة لأنه لم يجد أفضل منه .. !!

وأستفزنى كلام الكاتب الكبير فكتبت، فى الوفد ردا عليه، أتساءل عن ماذا يدافع الكاتب الكبير..؟! عن قيم الحق والعدل والمساواة أم عن المحسوبية والكوسة إعلاء لقيمة "إن اللى له ضهر ماينضربش على بطنه"..؟!!

وقلت إن ما فعله الكاتب الكبير، مع قريبه فى المؤسسة القومية التى كان يرأسها، هو نفس ما فعله أحد الحكام زمان عندما ولد له ولد بأذن واحدة فقرر أن يقطع آذان كل الأولاد حتى يتميز ابنه عنهم..!

وأذكر أننى عندما التقيت بالكاتب الكبير جمال بدوى، الله يرحمه، فى مكتبه بالوفد قال لى بالحرف "إن الكاتب الكبير صديقه المقرب وإن ردى عليه سيغضبه وقد يقطع علاقته به للأبد.. لكنه مع ذلك نشره، لأن الحق أحق أن يتبع".

هذه مجرد عينة بسيطة من مظاهر المحسوبية والفساد التى يمارسها البعض دون أن يهتز لهم طرف، وهم للأسف لا يعتبرون ما يقومون به رذيلة من الرذائل بل يعتبرونها فضيلة، على اعتبار أنهم يجاملون الأهل والأصحاب "على خساب صاخب المخل"، اللى هو الشعب، فاللى مالوش خير فى أهله وأصحابه لن يكون له خير فى أحد..!!

أما الذين يتقاضون أموالا لارتكاب هذه الجرائم فيبررون ما يفعلون تبريرات أشبه بتبريرات اللصوص ولاعبى التلات ورقات، حيث يرون أن ما يمارسونه من فساد هو نوع من الفهلوة والشطارة .. ولذلك يسمون الرشوة "حلاوة" أو شاى أو قهوة..أو مكافأة .. إلى آخر ذلك من المسميات التى يحفظها الجميع عن ظهر قلب..!

وإذا لم يكن هذا هو الفساد بعينه.. فما هو الفساد..؟!
وحتى أكون صادقا مع نفسى ومعكم ..فإننا جميعا مسئولون عن تفاقم هذه الظاهرة..الفساد والمحسوبية.. فنحن نمارس الكوسة والمحسوبية بصورة تكاد تكون يومية، دون أن نعى ذلك.. فمن منا لم يدفع الشاى أو القهوة لهذا الفاسد أو ذاك، ومن منا لم يدفع الحلاوة..؟!

وحتى إن لم نمارس هذه الرذيلة فنحن لا نردع من يفعلها، بل حتى لا تحمر وجوهنا خجلا عندما نراها أمامنا تمارس جهارا نهارا عينى عينك.

وبصراحة لا أجد ما أصف به حال مجتمعنا الآن، الغارق فى المحسوبية والرشوة إلا ما قاله الشاعر الراحل نجيب سرور منذ ما يقرب من نصف قرن: "يابلدنا ياعجيبة فيكى حاجة محيرانى نزرع القمح فى سنين يطلع القرع فى ثوان".. وما لم يقله الشاعر هو أنك يمكن أن تضع مكان القرع كلمة الكوسة أو الشاى أو القهوة دون أن يختل الوزن أو المعنى..!!















مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة