والكتاب يؤكد فى مقدمته أن العرب يحملون الاستعمار جانباً كبيراً من المسئولية عن إحباطاتھم ، إذ اجتذبت المزايا الاستراتيجية والموارد الغنية للعرب أطماع الدول الغربية، ودفعتھا إلى احتلال أراضيھم أو إخضاعھم لھيمنتھا، وعملت الدول المستعمرة على تقاسم الأرض العربية، ورسخت انقسامھا إلى دول مستقلة، وعرقلت توحيد الشعوب العربية والتعاون بينھا، وحتى بعد انحسار عھد الاستعمار وحصول العرب على الاستقلال استمرت التأثيرات السلبية لسياسات الدول الغربية على معظم نظمھم السياسية والاقتصادية، وما زال الكيان الصھيونى الغاصب لأرض فلسطين شاھداً على التركة الثقيلة لمرحلة الاستعمار.
لكن "العطية" يرى أنه لا يمكن إرجاع الفشل للعوامل الخارجية وحدھا، وأن أكثر عوامل الضعف داخلية أو ذاتية، ومظاھرھا ونتائجھا السلبية ماثلة فى النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لھذه الدول، وفى فكر وسلوك الأفراد والجماعات، وديمومتھا دليل على أن محاولات التخلص منھا غير مجدية أو أن تلك المحاولات لم تكن جادة بالفعل.
ويرصد الكتاب لحالة العرب فى الفترة المعاصرة حيث إنهم لا يجدون إيجابيات كثيرة فى مجتمعاتھم، ويعتبرون أن النماذج الناجحة غير عربية، ويدعون غالباً لاقتباس تجاربھا، لكنھم غير متفقين حول طبيعة النموذج المنشود، وھم فى ذلك لا يختلفون كثيراً عن أجدادھم وآبائھم الذين شھدوا مرحلة استقلال ونشوء ھذه الدول، إذ سرعان ما تبدد التوافق حول النظم التى تأسست فى تلك المرحلة، وفشلوا فى التصدى للأخطار والتھديدات الخارجية وتحقيق التنمية الموعودة، كما يصعب التفاؤل حول المستقبل فى ظل الانقسامات العميقة بين قياداتھا ونخبھا.
ويضرب الكتاب مثالا على حالة العرب المتدهورة بالجانب الاقتصادى، حيث تراوحت نتائج السياسات والخطط الاقتصادية والتنموية للدول العربية بين النجاح المتواضع والفشل الذريع، فقد أفضت تجارب ما عرف بالاقتصاد الاشتراكى فى عدد من الدول العربية إلى التصفية والخَصْخَصَة على طريق العودة أو التحول إلى الاقتصاد الحر، ولم تتمكن الدول التى طبقت أنموذج اقتصاد السوق من بلوغ مرحلة الانطلاق نحو التنمية المستدامة، ومعدلات الاستثمار والنمو فى معظم الدول العربية غير كافية لتوفير فرص العمل لمواطنيھا ورفع مستوى معيشة غالبيتھم فوق مستوى الكفاف وتحسين جودة الخدمات المقدمة لھم، وتقلصت القدرة الشرائية لشرائح واسعة فى المجتمعات العربية بسبب الغلاء وتدنى الرواتب، وتفاقمت معاناة الفئات الوسطى، وتوسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
ويتضمن الكتاب تصوُّراً لأربعة انحرافات رئيسية فى مسيرة العرب منذ عصر الجاھلية حتى الآن، نتجت عن تحيزات أو اختيارات غير موفقة، أدت بمجملھا إلى إضعاف العرب ومنعھم من تحقيق كامل أھدافھم وتطلعاتھم، وتمثلت ھذه الاختيارات المصيرية فى أولاً: طلب السيطرة والقوة بدلاً من تطبيق العدالة، ثانياً: الانحياز إلى القبيلة وعصبياتھا ونواميسھا والابتعاد عن القبلة (الإسلامية) وقيمھا وشريعتھا، ثالثاً: الإصرار على مثالية الذات العربية والتفاخر بھا على حساب الموضوعية فى نقد وتقويم الذات، رابعاً: معاملة المرأة بوصفھا سلعةًّ على خلاف ما تستحقه من حقوق واحترام باعتبارھا شريكاً للرَّجل فى بناء الحياة الإنسانيَّة.
ويؤكد الكتاب أن ھذه الاختيارات لا ترتبط بزمن محدد، بل ھى ممتدة من عصر الجاھلية حتى زمننا الحاضر، فالتھالك على القوة والسيطرة وكذلك القبلية ومثالية الذات وامتھان المرأة قيم وسلوكيات نشأت قبل الإسلام واستمرت بعد انتشاره بدرجة أو بأخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة