بعد أيام قضيناها فى «بكين» توجهنا إلى المطار للذهاب إلى مدينة جوانزو وفى الطريق مررنا بسور الصين العظيم، أو بالأصح «سور الصين الطويل» كما يسمونه فى الصين، ولا أبالغ إذا قلت إن هذا الأثر المعمارى النادر لخص الصين كلها بالنسبة إلى، فيه تتحد الشمس مع الجليد فى انسجام تام، تماما كما اتحدت عربات الأكل الشعبية مع فنادق «الخمس نجوم» واتحد الملح مع السكر فى الأطعمة، والسيارات الفارهة مع العجل والموتوسيكلات، وقد جسد هذا السور بالنسبة لى العديد من الصفات الصينية الأصيلة، ففيه القوة وفيه القدرة وفيه الحرص وفيه التحصين وفيه الصبر وفيه الانغلاق وفيه الشموخ وفيه الأصالة وفيه الغموض، كما أنه قادر أيضا على الاتحاد مع عظماء الكون، باعتباره أحد أهم الآثار العظيمة المتبقية من العالم القديم.
فى المطار حاولنا أن نوصل هواتفنا بالإنترنت ففشلنا فشلا مريعا، وقد كنا نعيش كما اليتامى بلا فيس بوك ولا جوجل ولا يوتيوب ولا تويتر بينما الصينيون حولنا يعيشون حياتهم بشكل طبيعى مستخدمين برامجهم الخاصة التى تكفيهم عن مواقع التواصل الاجتماعى، فشعرنا كما لو كنا صائمين وسط شعب من المفطرين، ولهذا لم نستسلم لفشلنا فى الوصول إلى الإنترنت فى المطار، وسألت فتاة صينية كانت تجلس بجوارى عن كيفية الدخول إلى شبكة الإنترنت باللمطار مستخدما اللغة الإنجليزية التى لا أتقنها تماما لكنى شعرت أننى «شكسبير» فى الصين بسبب قلة المتحدثين بالإنجليزية، ولأن البنت لم تفهم كلامى حاول صديقى هشام يونس، رئيس تحرير بوابة الأهرام الإلكترونية، أن يشرح لها هو أيضا، ولما فشلنا فى التفاهم قررنا المضى قدما فى «التهريج» فادعيت أننى أجيد الصينية فانتبهت الفتاة واستعدت لسماع لغة أهلها من هؤلاء الأجانب، فمضيت أقلد اللكنة الصينية فى الحديث دون أن أعرف كلمة واحدة من هذه اللغة، فقلت لها «كوانج شون ياتون كروماتينج هواى كا» فصمتت البنت لوهلة وكأنها تريد أن تكذب أذنها التى سمعت تلك الكلمات ثم انهارت فى الضحك حينما اكتشفت أن هذا الكلام ليس بالصينى وإنما «اشتغالة مصرية» وضحكنا جميعا، ولما كاد الموقف أن ينتهى قرر الزميل هشام يونس أن يستمر فى الحديث فسألها بالإنجليزية: من أى مدينة فى الصين، فقالت له اسم مدينتها، ثم قال لها نحن مصريون، فلم تفهم البنت ولم تعرف ما مصر برغم محاولة شرح «يونس» وبرغم استخدامه لكل الكلمات التى ربما تدل على مصر مثل «النيل، الأهرامات، الفراعنة، العرب» لكن البنت لم تفهم فتضايق «يونس» وقرر ألا يستسلم، فحاول أن يمثل الحركات التعبيرية التى نراها فى الرقص الفرعونى، وضم يديه إلى صدره بشكل متقاطع وهو يمشى بالخطوة المعتادة، فانفجرت البنت فى الضحك، ثم هرع إلى حقيبته يفتش فيها عن أى شىء يدل على مصر حتى أتى بصورة لنقش فرعونى، وهنا تعرفت البنت على بلدنا، فتنفس يونس الصعداء.
ينشر هذا المقال ضمن سلسلة مقالات عن رحلتى إلى دولة الصين الشعبية، وقد خصصت يوم الجمعة من كل أسبوع لنشر حلقاتها.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء
إلى هذا الحد الصينيون منغلقون لعى أنفسهم