هذه هى المرة الثانية التى أكتب فيها عن وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى، خلال أقل من شهرين.. كانت المرة الأولى عندما فوجئت بسؤال على طريقة أسئلة برامج المسابقات الفاشلة بتاعت "زيرو تسعمية" يملأ مواقع التواصل الاجتماعى يقول: هل توافق على عودة وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى إلى مصر.. خاصة وأن صندوق النقد الدولى استعان به لحل أزمة الديون اليونانية..؟!! وكان السؤال يوحى بأن غالى هو الذى سينقذ البلاد والعباد من المشاكل الاقتصادية الراهنة، وأنه وحده الذى يملك عصا سحرية يقذف بها فى وجه الأزمات، بعد أن يقول كلماته السحرية، فتنقلب البلاد سخاء رخاء..!
وقلت وقتها إن "معجزة يوسف" بطرس غالى عندما كان وزيرا للمالية تتمثل فى ثلاثة عناصر أساسية أثارت ومازالت تثير الجدل، وهى قانون الضرائب وإعادة تبويب الموازنة العامة للدولة والاستيلاء على أموال التأمينات والمعاشات بعد أن اعتبر معاليه أن جيب الشعب والحكومة واحد..!
أما قانون الضرائب فقد أقام له الرئيس الأسبق حسنى مبارك احتفالًا كبيرًا بقصر الاتحادية، وقد دعيت إلى هذا الاحتفال الذى ألقى فيه مبارك خطابًا أشاد فيه بالقانون باعتباره حصان طروادة لتحقيق الإصلاح الاقتصادى.
وكانت هناك مواد فى القانون مثيرة للجدل، بل ويمكن من خلالها الطعن بسهولة فى القانون باعتباره غير دستورى.
فالقانون ببساطة أعطى مزايا للمتهربين من الضرائب والمتقاعسين عن سداد مستحقات الدولة على حساب الممولين الذين يسددون أولا بأول ما عليهم من ضرائب..!
أما الموازنة فقد قام غالى بإعادة تبويبها لتتحول إلى لوغاريتمات، حيث لا يستطيع أى باحث أو حتى مسئول أن يعرف مثلا، حجم المبالغ المخصصة للاستثمارات فى كل قطاع من قطاعات الدولة.. وكان الانطباع العام لكل من يقرأ الموازنة هو أن غالى يحاول إخفاء بنود فى الموازنة لا يعرف أولها من آخرها إلا من أعد الموازنة.. أى أن الموازنة كانت أشبه بـ"السجق" الذى لا يعرف محتوياته إلا الله عز وجل والجزار..!!
أما أموال التأمينات والمعاشات فقد استولى عليها يوسف بطرس غالى جهارا نهارا وتحت سمع وبصر الجميع على الرغم من أنها أموال خاصة لا يحق له الاقتراب منها.. وإذا كانت هناك معجزة له فى هذه المسألة فهى أنه قام بأكبر عملية سطو فى التاريخ دون أن يرمش له جفن ودون أن يسأله أو يسائله أحد..أى أحد..!!
قلت هذا ومازلت أقوله حول "المعجزة المالية" ليوسف بطرس غالى، والتى يتشدق بها حتى الآن فى كل مكان.. فمنذ أيام ظهر يوسف غالى، بالصدفة، التى هى خير من ألف ميعاد، للصحفيين المصريين المرافقين لبعثة "خبط".. آسف قصدى طرق الأبواب.. وتحدث إليهم، أو تحدثوا إليه، لا فرق، مؤكدا أنه يقوم، كخبير دولى لا يشق له غبار فى صندوق النقد الدولى، بوضع برنامج للإصلاح الاقتصادى فى نيجيريا، إحدى أكبر الدول الإفريقية المنتجة للبترول، وأنجولا.. وأن خطته تشمل، خدوا بالكم، سوق الصرف والمالية العامة وخلل ميزان المدفوعات والميزان التجارى..!
وهى بالصدفة البحتة، اللى هى خير من ألف ميعاد أيضًا، نفس المشاكل التى يعانى منها الاقتصاد المصرى ..!
وعندما جاء الحديث عن الاقتصاد المصرى ورؤيته لإصلاحه قال غالى للصحفيين بالنص "إن الاقتصاد المصرى يواجه صعوبات كبيرة تحتاج إلى بذل جهود كبيرة وإجراءات صعبة، وإصلاحات فى جميع القطاعات للخروج من الوضع الراهن".. يعنى بالبلدى العملية محتاجة سمكرة ودوكو ورش دواخل وعفشة بالإضافة طبعا للبوجيهات والبلاتين والكوندينسر..!
ولم ينس غالى أن يذكرنا بالمعجزة التى حققها عندما كان وزيرا للمالية فقال "إنه عمل فى الفترة من 2004 وحتى 2010 على تطبيق العديد من الإصلاحات، حتى وصلت إيرادات الضرائب إلى 16%، وكان يعمل على تنميتها وتنويع مصادرها بالتوازى مع إجراء الإصلاحات التشريعية" .
ومن الواضح أن غالى بهذا الكلام يغازل الدولة مع سبق الإصرار والترصد، مقدما نفسه على أنه المنقذ الوحيد للبلاد والعباد.. وكأن مصر العظيمة أصبحت عقيمة ليس فيها عقول اقتصادية ولا كفاءات يمكن أن تنتشل اقتصادها من مستنقع المشاكل والأزمات الغارقة فيه..!
قد يبدو كلامى هذا تحاملا كبيرا على الدكتور يوسف بطرس غالى، لكننى فقط أحاول الرد على محاولة عقيمة "مكشوفة" لإعادة إنتاج عهد انتهى وولى.. هو عهد الرئيس مبارك.. وقد قلت أكثر من مرة أن مبارك نفسه بشحمه ولحمه، لو عاد فلن يستطيع إعادة إنتاج فترة حكمه، لأن الزمن أصبح غير الزمن، والناس أصبحت أكثر وعيا بحقوقها.. بعد أن قامت بثورتين سقط فيهما شهداء وسالت بسببهما دماء.
والمعنى أن "غالى" مهما كانت قدراته لن يستطيع إعادة عقارب الساعة ولا عجلة التاريخ إلى الوراء ليعيد لنا إنتاج "معجزته الاقتصادية" المثيرة للجدل، والتى دفع الشعب الغلبان وحده فاتورتها على حساب ليس فقط رخائه، بل على حساب الحد الأدنى من احتياجاته المعيشية..!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة