أكرم القصاص - علا الشافعي

كرم جبر

«أثرياء الحرائق» والاتجار فى النار!

الأربعاء، 18 مايو 2016 10:39 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بفعل فاعل أم قضاء وقدر النتيجة واحدة، هى ضرورة مواجهة الأزمات بأسلوب علمى، بدلا من الارتجالية والعشوائية، فالحرائق التى انفتحت شهيتها فى بداية الصيف، إنذار مبكر يطرق ملفا مسكوت عنه منذ سنوات طويلة، فالعشوائيات ليست فى الأحزمة العشوائية التى تحيط بالمدن فقط، ولكنها تمتد أيضا إلى المناطق التى اشتعلت، والمناطق الأخرى المهددة بالاشتعال.

زيارة واحدة للمنطقة التجارية أو دائرة الرعب، التى تمتد من العتبة إلى الحسين طولا، ومن السيدة زينب إلى باب الشعرية عرضا، تؤكد أن الحرائق جاءت متأخرة، وكان ينبغى أن تشتعل من زمان، فالشوارع الداخلية ضيقة وتشبه الثعابين الملتوية، ولا توجد بها وسائل للأمان ليس فقط ضد الحرائق، بل فى مواجهة أية مخاطر أخرى، فإذا حدث حريق يستحيل أن تسمح الشوارع بدخول سيارات الإطفاء، وإذا انهار منزل لا يمكن لقوات الإنقاذ أن تصل للمكان بسهولة، ونفس الشىء بالنسبة لسيارات الإسعاف والإنقاذ والشرطة.

دائرة الرعب فى قلب القاهرة فيها ثروات تقدر بالمليارات، ومع ذلك يبخل أصحابها أن يدفعوا مليما واحدا لتأمين نشاطهم، ونادرا ما تجد حنفية حريق أو طفاية، فى الوقت التى تتكدس فيه المحلات الضيقة بكل أنواع المواد القابلة للاشتعال، من الأخشاب والبلاستيك والأقمشة والكرتون والأسفنج والبنزين والسولار، ومن الطبيعى جدا أن تجد بائعا ببوتجاز يدوى يصنع الشاى، أو الطعمية الساخنة وسندوتشات الكبدة والحواوشى، وكله ماشى ببركة دعاء الوالدين.

اشتعال النار فى المناطق العشوائية لا يتطلب حتى عود ثقاب، لأنها مهيأة لكل أنواع الاشتعال الذاتى، قضاء وقدر أو بفعل فاعل، وتمتد النار بسرعة البرق إلى المناطق المجاورة، فطريقها سهل وميسر ولا يعوقها شىء، وتساعدها أكوام الزبالة التى تملأ الأسطح والبدرومات والشوارع والحوارى، وفى ظل هذه الفوضى المنظمة، يستحيل أن تقف على أسباب الحريق، وأحيانا نلجأ إلى السحر والعفاريت، لإخراج الجن الشرير من بعض القرى التى يغضب عليها.

ليس صحيحا أن الدولة فشلت فى مواجهة الحرائق، كما يروج الإخوان ومن معهم، فهم من اخترعوا مقولة «يا نحكم مصر يا نحرقها»، ولا استبعد أن تكون أصابعهم وراء ما يحدث، فى إطار تحركات ممنهجة لتأليب الرأى العام، والتضييق على الناس فى معيشتهم حتى يضجوا، ويساعدهم على ذلك بيئة مهيئة تماما لارتكاب الجريمة وصعوبة الكشف عن فاعليها، الذين فجروا أبراج الكهرباء ومحطات المياه، لتأديب المصريين الذين وقفوا ضدهم، ليس مستبعدا أن يشعلوا الحرائق لنفس الأسباب.

لن تتوقف الحرائق إلا إذا تم القضاء على الأسباب من جذورها، وأهمها إخلاء تلك المناطق ونقلها إلى أخرى حضارية آمنة، تتوافر فيها عوامل السلامة، ولا تكون فى المناطق النائية حتى لا يرفض التجار الانتقال إليها، مثلما حدث فى تجربة نقل سوق روض الفرج فى الثمانينيات، الذى شيدته الحكومة فى مدينة العبور على أعلى مستوى، وظل التجار يرفضون الانتقال إليه على مدى عشر سنوات كاملة، حتى صدرت أحكاما قضائية نهائية بإخلاء السوق القديمة والانتقال إلى سوق العبور.

أسهل شىء فى مصر هو إشعال الحرائق، وأصعب شىء هو إطفاؤها، لأن العشوائية لا تقتصر على الشوارع والمبانى والأحياء التجارية والأسواق، بل تمتد إلى العقول والأفكار، وعدم الرغبة فى التطوير والتجديد والتحديث، وتمتد أيضا إلى «أثرياء الحرائق» الذين يريدون أن يكسبوا من النار، مثل التاجر الذى انتشر فى الفضائيات، زاعما أنه ترك فى محله المحترق 200 ألف جنيه من زبون، و60 ألف جنيه ثمن سيارة باعها، ومليون و200 ثمن بضاعة، ويطلب من الدولة تعويضه بتلك المبالغ، ويفعل مثله كثيرون، وكأن الدولة نائمة على كنز.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد حسن

مقال رائع

شكرا كاتبنا المحترم على التحليل الواقعى

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة