نقلا عن اليومى..
بين الزرع وسنابل القمح، وأصوات الطيور، تفترش الأرض بجلبابها، وتربط «الحاجة فاطمة» وسطها بحزام حتى تسند فقرات ظهرها، وتعلو وجهها ابتسامة رضا، هى ما يعينها على عمل شقاء احترفته الحاجة فاطمة، وهو بناء الأفران بالطين، بدون أى أدوات، فهى تكتفى بأصابعها لتجهز مكان الخبيز، وحين تنتهى منه تكافئ نفسها بزغرودة مدوية، لتعلم أهل البيت أن الفرن أصبح جاهزا لطهى الطعام.
«حبيبى يا عسل يا فرنى يا عسل كل اللى يشوف جمالك يضرب بك المثل» هذه هى كلمات الحاجة فاطمة السيدة السبعينية الراضية بالحال لدرجة الدهشة، تدندن بهذه الكلمات طوال فترة بناء الفرن، تقطع نغماتها البسيطة لتحكى لـ«اليوم السابع» حكايتها مع أفران الطين، قائلة: ببنى أفران بقالى أكتر من 40 سنة، مش أى حد بيعرف يعملها، عاوزة خفة وسرعة، وإيد تحبها الطين.
«ماليش أدوات، هى إيدى وميه وشوية رتش وكام طوبة» وبضحكة صافية تقول الحاجة فاطمة «أداوت إيه، أنا بجيب الطوب عشان أساس الفرن، والرتش والميه وأعجنه وأعمل بيه الطين، وابنى الأساس بالطوب، وبعدين أحط الطين وأليسه عشان يبقى جاهز، وأول ما ينشف يبقى جاهز على طول».
تضيف الحاجة فاطمة «جوزى بقاله كتير أعمى وعندى استعداد أعمل أى حاجة بس ماخليهوش محتاج لحد».. بهذه الكلمات أكدت الحاجة فاطمة أن زوجها الشيخ أحمد أصيب بالعمى منذ سنوات عديدة، وأصيبت هى من وقتها بلعنة الإخلاص غير الخاضع لمتغيرات الحال، أو قسوة الظروف، وهو ما جعلها خير سند لزوجها العاجز، وخير امرأة مصرية لا تقوى عليها قسوة الأيام.
تكمل «الحاجة فاطمة» التى لم تطأ قدماها أرض الحجاز يوماً، وأكسبتها سنها هذا اللقب رغماً عن أنف السنوات الطويلة التى استقرت بها بمنزلها الصغير بإحدى قرى البحيرة دون أن تبارح حدوده يوماً واحداً، وتقول: «الناس بتحبنى وانا بحبهم حتى لو تعبانة ومش قادرة هروح للناس عشان أعملهم الأفران مقدرش أكسف حد».
وعن ما تقوم به بعد بناء الفرن الذى تقسم أقساماً مغلظة على ما يحمله هذا الفرن البسيط من سحر يطال قلب كل من يأكل ما يخرج منه، تحكى قائلة: «بنعمل كل حاجة الرقاق والكحك والفطير المشلتت ومكرونة بالبشاميل أحلى من بتاعت مصر، وجلاش حلو وحادق». «بعمل الفرن بـ 75 جنيه» هذا هو ما تجنيه الحاجة فاطمة من الفرن الواحد.
وعن امنياتها فى الحياة تقول: «نفسى ربنا يسترنى واكفى بيتى، ومش عاوزه حاجة من الدنيا غير الستر والصحة من ربنا، وأزور بيت الله الحرام والمس الكعبة، عشان أبقى «حاجة» بجد.
موضوعات متعلقة..
- شوفى إيه اللى بيحصل لما بتقفلى باب الفرن.. من كواليس الأكلة الحلوة