فى الجهة الشرقية من القرية يقع منزلهم الطينى الذى لم تسعفهم الظروف أن يعيدوا بناءه بالطوب الأحمر كما فعل أغلب سكان القرية، جلست الأم هانم محمد سليمان بجوار ابنها الأصغر أمير محمد عبد الحميد الذى يبلغ من العمر 31 عاما فوق سريره وافترشته بكل أنواع الأدوية التى استهلكت كل رصيدها فى الحياة دون جدوى.
لم تتمالك الحاجة هانم نفسها من البكاء وهى تروى أحد فصول مأساة حياتها وهى قصة مرض ابنها الأصغر أمير قائلة "احتار الأطباء فى كل محافظات مصر فى تشخيص حالته، وكنت مع كل مطلع فجر أسافر به إلى محافظة شكل لو سمعت عن طبيب شاطر يعيد له الحياة بعد أن أصبح جثة تدب فيها الروح، وبعد أن أصبح شابا لا يقوى على الحركة أو الأكل بمفرده أو حتى قضاء حاجته بالدخول للحمام وكانت الحسرة تمزق قلبى كلما رأيت أصحابه فى الصغر يلعبون ويستمتعون بحياتهم وابنى طريح الفراش.
وتروى والدة أمير بداية مرضه وهى تربت على كتفه وتمسح ما تبقى من طعام من بين شفتيه وكأنه طفل صغير، قائلة "أمير أصغر أولادى وأجملهم، وحين كان عمره عامين أصيب بدور سخونية لأكثر من أسبوعين، لكن مع العلاج تعافى حتى أصبح عمره 10 سنوات، وبدون أى مقدمات وقع ولم يستطع الوقوف على قدمه نهائيا، وذهبت به لكثير من المستشفيات الحكومية وقصر العينى، لكن لم يستطع الأطباء تشخيص حالته وكل طبيب يكتب علاجا مختلفا عن الآخر، وبعت كل ما أملك أنا وأبوه الله يرحمه حتى أصبح الجزء السلفى له أشبه بالمشلول، ومع الوقت فقد القدرة على الكلام والتحكم فى فمه والحركة أصبحت صعبة عليه، وكنت دائما أقول حد يعرّفنى عنده إيه؟ لكن حتى يومنا هذا لم يجبنى أحد على السؤال.
والتف أبناء هانم حولها باستثناء الابن الأكبر سليمان الذى تزوج وخرج بعيدا مشغولا ببيته وأبنائه، لتروى شويكار محمد الأخت الكبرى للأبناء الثمانية والتى رفضت الزواج لتساعد أمها فى إعالة الأخ الأصغر أمير ووالدها الذى أصيب منذ 10 سنوات بمرض الكبد ونهشه الفقر والمرض حتى مات نهاية 2012 بعد صراع مع المرض بتليف الكبد، قائلة "حين مرض والدى اتلهينا فيه وتوقفت أمى عن الذهاب بأمير للأطباء وتدهورت حالته أكثر، لكن كان علينا الاختيار بين علاج والدى ومعرفة حقيقة مرض أخى، وبعد وفاة والدى عدنا مرة أخرى لرحلة البحث عند الأطباء لمعرفة حقيقة مرضه لكن دون جدوى.
وعن مصدر دخل الأسرة قالت شويكار أخويا الأكبر دخله على قده وتزوج وعاش بعيدا، أما محمد ومحمود، فواحد يعمل فى كافتيريا والثانى عامل يومية فى مصنع الرنجة بـ50 جنيها فى اليوم يتحملان مصاريف العائلة بالكامل، خاصة أن محمود أخى تزوج معنا فى نفس المنزل وأمى تحصل على معاش التضامن الاجتماعى الذى كان يأخذه أبى وقدره 312 جنيها فهو لم يكن له مهنة وكان يعمل فلاحا ويملك قيراطين، وأبويا كان واخد قرض من بنك الائتمان الزراعى بضمان الأرض 36 ألف جنيه، اتصرفوا على علاجه من تليف الكبد وبعد وفاته وصلت مديونية القرض لأكثر من 80 ألف جنيه.
أما محمد الشقيق الأكبر لأمير وقف يحكى معاناة الأم فى تحمل أمير والتعامل معه قائلا "أمير راجل وقوى وجسمه تقيل ورغم كده أمى أكتر واحدة شايلاه ومرتبطة بيه، وكان نفسى ربنا يكافئها بحجة أو عمرة، فهى أم مثالية، وهنا تنفطر الأم من البكاء وتقول بلهجتها الفلاحى "أمير حجتى وعمرتى واللى بعمله معاه كل يوم يساوى 10 حجات، أنا كل اللى عاوزاه يتعالج ويتجوز ويبقى عنده بيت أو حد يقول لى عنده إيه بالضبط عشان يريح قلبى".
ويحكى محمد شقيق أمير جزءا آخر من حالة أمير قائلا "أخى ليس مختلا عقليا ويسمع الكلام جيدا ويفهم ما نقول، ومتابع جيد لكل الأحداث وفى انتخابات الرئاسة أمسك ببطاقة الرئيس عبد الفتاح السيسى، وأصر على أن نحمله للجنة، وهناك نزل القاضى له وسأله جاى تنتخب مين، فأخرج بطاقة السيسى وأعطاها لرئيس اللجنة ثم قبله، ويفهم كل شىء يدور حوله، وحين نقصر معه يتقمص ويرتمى فى حضن أمه كالطفل الصغير فتداعبه شويكار قائلة "انت زعلان انا هجوزك عروسة حلوة ونضحك كلنا".
مأساة الأسرة لم تنحصر فى حالة أمير، لكنها مزيج لمشكلات العامل الرئيسى فيها الفقر والمرض، وجميع الأشقاء باستثناء 3 منهم فاتهم قطار الزواج بعد تراكم الديون عليهم، ودخلهم يكفيهم بالكاد للأكل والشرب.
موضوعات متعلقة:
بالفيديو..معاناة عجوز قضت عشر سنوات بالتربية والتعليم وحادث يحول حياتها لجحيم.. المديرية تسرح "المعلمة" وترفض مساعدتها.. والتأمين يرفض علاجها.. والطرد من المنزل ينتظرها.. ومستقبل بناتها يصطدم بالمجهول
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة