الأزهر ضد الأزهر.. مجمع البحوث الإسلامية يناقض الآراء والفتاوى التنويرية لكبار مشايخ الأزهر ودار الإفتاء.. ويحرم التأمين على الحياة وفوائد البنوك والصلاة فى مساجد بها أضرحة

الجمعة، 18 مارس 2016 10:00 ص
الأزهر ضد الأزهر.. مجمع البحوث الإسلامية يناقض الآراء والفتاوى التنويرية لكبار مشايخ الأزهر ودار الإفتاء.. ويحرم التأمين على الحياة وفوائد البنوك والصلاة فى مساجد بها أضرحة الأمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر
كتب أحمد منصور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نكون أمام مشكلة حين تتضارب الفتاوى الدينية أو الأحكام التى تصدرها جهة معينة أو جهتان تابعتان لمؤسسة واحدة، ونكون أمام أزمة حين تكون هذه الجهة مؤسسة تابعة للأزهر الشريف، قلعة الدين الوسطى، ونكون أمام كارثة كبرى حين تكون الفتوى صادرة من مؤسستين تابعتين للأزهر، وتختلف مع فتاوى صادرة من دار الإفتاء أو من شيخ سابق للأزهر ذاته فى أمر حيوى يخص حياة الناس، مثل الأحكام المتعلقة بتعاملات البنوك أو التأمين على الحياة مثلا.

وصدرت فى الفترة الأخيرة فتاوى من مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف تتعارض مع فتاوى صدرت من دار الإفتاء أو أصدرها كبار علماء الأزهر أو مشايخ ثقات منتسبون له أو يتولون مناصب فى الأزهر، وهو ما يحدث لبسًا لدى الناس، ويؤثر على الاقتصاد والحياة الاجتماعية، خاصة أن منها فتاوى تخص أمورًا، مثل التأمين على الحياة والتعامل مع البنوك والصلاة فى مساجد بها أضرحة، وهو ما نعرض له فى التقرير التالى..

المجمع: التأمين حرام


لا تزال هناك علامات استفهام كثيرة حول العديد من القضايا التى تثار داخل مجمع البحوث الإسلامية، وتهم قطاعا كبيرا من الشعب، بل وتؤثر على حركة الاقتصاد والتعاملات داخل البنوك وشركات التأمين، فدائما ما يخرج مجمع البحوث الإسلامية بقضايا وفتوى تقلب الدنيا رأسا على عقب، حيث أصدر فتوى تؤكد أن التأمين على الحياة حرام شرعا، وعرَّف شركات التأمين على الحياة بأنها «شركات لضمان وسلامة الأنفس، لتعويض المؤمن عليه ماليًا إذا لحقه ضرر أو مات»، وهو ما لا يجوز الضمان فيه شرعا؛ لأن الأمن والأمان أمر معنوى لا يُملك، وشركة التأمين ليست متسببة فى الضرر أو الموت فلا يصح ضمانها، ولا يصلح ضمان النفس أن يكون محلاً للعقد.

ورأى المجمع: «أن فى عقد التأمين على الحياة غررًا، بمعنى أنه لا يمكن لأحد المتعاقدين أو كليهما وقت العقد معرفة مدى ما يعطى أو يأخذ بمقتضى هذا العقد والغرر والمخاطرة مبطلة للعقود فى الإسلام»، ولم يتوقف عند ذلك ولكن رأى أن «التأمين على الحياة فيه أكل مال الغير بالباطل، والله يقول: «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون»، لافتا إلى أن من أجازه للضرورة، فإنما أجازه لما يكون إلزامياً للفرد لا خيار له فيه.

شيخ الأزهر والمفتى السابقان: حلال


لم تلقَ فتوى مجمع البحوث معارضة ورفضا من المجتمع فقط، ولكنها تتعارض مع فتاوى أصدرها كبار ينتسبون للأزهر، مثل الشيخ محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر السابق، فعندما خاطبته إحدى الشركات التى طلبت رأيه فى التأمين أثناء تولى فضيلته دار الإفتاء، جاء رده أن الشريعة الإسلامية تحض على كل عمل من شأنه التكافل الاجتماعى بين الناس، واستشهد بقول الله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، وفى الحديث الصحيح: «الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه»، لافتا إلى أنه إذا ما كانت الشركة تهدف لتدعيم فكرة التكافل الاجتماعى فهو أمر محمود شرعا وعقلا ما دام هذا التدعيم يتم بطريقة شرعية تتوفر فيها العدالة والمساعدة للمحتاجين وذوى العاهات.

وأصدر الشيخ مصطفى الزرقا، من قبل، فتوى بإجازة التأمين على الحياة وقام بإصدار كتاب تحت عنوان «نظام التأمين والرأى الشرعى فيه»، ويحتوى على دراسة لجوانب التأمين القانونية والاقتصادية ومناقشة مستفيضة للآراء الفقهية المعاصرة حوله وترجيح صحة عقوده ما لم تتضمن شروطاً غير مقبولة شرعاً، وبشكل عام تنقسم الدراسة فى الكتاب إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول وهو عبارة عن بحث قديم قدمه المؤلف فى مؤتمر أسبوع الفقه الإسلامى بدمشق عام 1961م، وتحدث فيه عن عقد التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه، أما القسم الثانى فخصصه للوظائف الاقتصادية والاجتماعية للتأمين ولحكم التأمين فى ميزان الشريعة، وهذا البحث قدمه المؤلف فى مؤتمر الاقتصاد الإسلامى بمكة المكرمة عام 1396هـ-1976م.

وكذلك فإن الشيخ نصر فريد محمد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق، أفتى بأن التأمين بأنواعه المختلفة من المعاملات المستحدثة التى لم يرد بشأنها نص شرعى بالحل أو الحرمة شأنه فى ذلك شأن معاملات البنوك، فقد خضع التعامل فيه لاجتهادات العلماء وأبحاثهم المستنبطة من بعض النصوص فى عمومها لقوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، وكقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى»، موضحاً أن التأمين ثلاثة أنواع، منها التأمين التبادلى، وكذا التأمين الاجتماعى ويكاد الإجماع يكون منعقدا على حلهما لموافقتها للشريعة الإسلامية، أما النوع الثالث فهو التأمين التجارى وهو المختلف عليه، فبينما يرى فريق من العلماء أن هذا النوع حرام لما يكتنفه من الغموض المنهى عنه وما يتضمنه من القمار والمراهنة، يرى الآخرون أنه جائز شرعاً وليس فيه ما يخالف الشريعة الإسلامية لأنه قائم على أساس التكافل الاجتماعى والتعاون على البر كما أنه تبرع فى الأصل وليس معاوضة.

وأكد المفتى السابق «أنه عندما عرض الأمر على دار الإفتاء بتاريخ 25 مارس 1997، رأت أن من واجبها القيام بدراسة للتأمين بجميع أنواعه الصادرة عن شركات التأمين دراسة كاملة ومستفيضة حتى تتبين حلاله من حرامه فى أمر يهم جميع المسلمين، وهو التعامل المادى فى شؤون دنياهم، ثم تبين لها أن أكثر بنودها ما هى إلا قواعد تنظيمية مقررة من قبل شركات التأمين إذا ارتضاها العميل أصبح ملزما بما فيها، وأن أكثر هذه البنود فى مجموعها لا تخالف الشريعة الإسلامية وإن كان هناك بعض البنود يجب إلغاؤها وطلبت من شركات التأمين تنفيذ ذلك.

وانتهى نصر فريد واصل إلى أن دار الإفتاء ترى أن التأمين بكل أنواعه أصبح ضرورة اجتماعية تحتمها ظروف الحياة ولا يمكن الاستغناء عنه لوجود الكم الهائل من عمال المصانع والشركات الاقتصادية العامة والخاصة والمطلوب تأمين حياتهم حالاً ومستقبلاً، وبناء على ذلك فإننا نرى أنه لا مانع شرعاً من الأخذ بنظام التأمين بكل أنواعه.

«المجمع»: الفوائد حرام.. و«الإفتاء»: حلال


ولم تقتصر الفتاوى الغريبة والمتناقضة التى يصدرها مجمع البحوث الإسلامية، على فتوى التأمين على الحياة، ولكنه منذ أيام أصدر فتوى بتحريم القروض بوصفها ربا، وهو ما يخالف ما استقرت عليه دار الإفتاء المصرية، وهى الجهة المنوطة بالفتوى، وجاء ذلك بعدما تلقى المجمع سؤالا من أحد الأشخاص كالآتى: «أنا ليا حساب جارى فى البنك مش كتير بيجيب فلوس أرباح أو فوائد الفلوس دى حلال ولا حرام، وإن كانت حرام أعمل فيها إيه وأصرفها فى إيه؟» وجاء رد المجمع عليه «أن الفوائد حرام حيث تعتبر تلك المعاملة من الربا».

وأفتى المجمع سابقا بأن شراء شهادات الاستثمار من البنوك تعد ربا، وذلك فى الوقت الذى أوضحت فيه دار الإفتاء أنه فيما يخص شهادات الاستثمار فإن هناك خلافا، ويجوز للشخص أن يقلد من أجاز ولا حرمة عليه حينئذ فى التعامل من خلال شهادات الاستثمار.

وأفتى الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، بجواز المعاملات البنكية وفوائد البنوك، موضحًا أنَّ العلاقة التى تربط المودع بالبنك علاقة استثمار وليست قرضًا، وأن التعامل المالى مضبوط لدى فقهاء المسلمين ضبطا صحيحا، مشددا على أن الله حرم الربا تحريما قاطعا، ولا يمكن لعالم أن يحله من أجل دعم الاقتصاد، وأن من يتجرأ على إباحة الربا فهو يدمر المجتمعات، وأن الأزمة المالية الأخيرة التى أصابت العالم سببها تفشى الربا، وأن القرض المحرم هو الذى يستغل حاجة الناس، أما البنك فلا، لأن البنوك لا تحتاج استغلال الناس، فالعبرة فى العقود للمعانى وليس للألفاظ، فالعلاقة ليست علاقة قرض بين البنك والمودع، بل هى علاقة استثمار، إذن ما يأخذه العميل فى إطار الربح حلال، مشيرا إلى أن الإسلام عول كثيرا على استثمار الأموال، ويكفى أن الرسول قال: «اتجروا فى مال اليتيم حتى لا تأكلها الصدقة» وهذا دليل على الاستثمار وأن أى احتيال يظهر يؤدى لإهدار الأموال فهو حرام.

وفى فتوى موقعة من أحد أهم شيوخ الأزهر وهو الدكتور محمود شلتوت«1893/1963م»، أباح التعامل مع البنوك وأخذ الفوائد من أرباحها، وقد أفتى بجواز التعامل مع المصارف المالية وأخذ القروض منها، مؤكدا أن هذا الأمر لا يدخل فى باب الربا الذى كان يحصل عليه المرابى أضعافا مضاعفة، لأن المال المودع فى الصندوق ليس ديناً ولم يقترضه منه صندوق التوفير، وإنما تقدم صاحب المال إلى صندوق التوفير بنفسه طائعاً مختاراً ملتمساً قبول إيداع ماله عنده، وهو يعرف أن مصلحة التوفير تستغل الأموال المودعة لديها فى مشروعات تجارية تحقق فيها ربحاً وهى تعطيه الفوائد من خلال تلك الأرباح، وإمداد المصلحة الحكومية بزيادة رأس مالها ليتسع نطاق معاملاتها وتكثر أرباحها فينتفع العمال والموظفون وتتسع مجالات العمل وينتفع الجميع بفوائض الأرباح.

«مجمع» 2016 يناقض مجمع 2002


ولم يقتصر مجمع البحوث الإسلامية على معارضة فتاوى الأزهر ودار الإفتاء، ولكنه يناقض فتاوى سبق أن أصدرها نفسه، ومنها فتاوى بحرمة الربا.

وسبق أن أفتى مجمع البحوث الإسلامية عام 2002 بغالب أعضائه بأن فوائد البنوك المحددة النسبة مقدماً حلال، وترجع القصة عندما كان الراحل الدكتور سيد طنطاوى شيخ الأزهر، حيث تلقى سؤالاً من وزير الاقتصاد الأسبق حسن عباس زكى، الذى ترأس مجلس إدارة بنك الشركة المصرفية العربية والدولية، يستفتيه فيه عن الحكم الشرعى فى تقديم البنك لعملائه نسبة من الأرباح تحدد مقدما نظير قيام البنك باستثمار مدخراتهم فى أنشطته المشروعة، وأوضح المستفتى أن هذه النسبة المقدرة سلفاً يتم الاتفاق عليها بين البنك وعملائه، وأحال شيخ الأزهر السؤال إلى مجمع البحوث الإسلامية باعتباره أعلى جهة فتوى فى مصر واجتمع مجمع البحوث الإسلامية، وبعد مداولات أعضائه أقر الموافقة على استثمار الأموال فى البنوك التى تحدد الربح سلفاً.

وجاء نص الفتوى: الذين يتعاملون مع بنك الشركة المصرفية العربية والدولية أو غيرها من البنوك ويقدمون أموالهم ومدخراتهم إلى البنك ليكون وكيلاً عنهم فى استثمار أموالهم فى معاملاته المشروعة مقابل ربح يصرف لهم ويحدد مقدماً فى مدد يتفق مع المتعاملين عليها، هذه المعاملة بتلك الصورة حلال ولا شبهة فيها لأنه لم يرد نص من كتاب الله ولا من السنة النبوية يمنع هذه المعاملة التى يتم فيها تحديد الربح أو العائد مقدماً مادام الطرفان يرتضيان هذا النوع من المعاملة.

وانتهى مجمع البحوث فى 2002 إلى أن تحديد الربح مقدماً للذين يستثمرون أموالهم عن طريق الوكالة الاستثمارية فى البنوك أو غيرها حلال لا شبهة فى هذه المعاملة؛ فهى من قبيل المصالح المرسلة وليست من قبيل العقائد أو العبادات التى لا يجوز التغيير أو التبديل فيها، وبناء على ما سبق فإن استثمار الأموال لدى البنوك التى تحدد الربح أو العائد مقدماً حلال شرعاً ولا بأس به والله أعلم.

التبرع لمساجد الأضرحة


ولم يقتصر الخلاف بين فتاوى المجمع ودار الإفتاء حول القروض والتأمين على الحياة، بل أجاب المجمع على سؤال: ما حكم التبرع لمسجد فيه قبر؟ حيث جاء رد المجمع صادماً وناسفًا لصحة الصلاة بالمساجد التى بها أضرحة، بأنه «لا يجوز التبرع لمسجد فيه أضرحة لخلاف العلماء حول صحة الصلاة فيه»! وهو ما يعنى أن الصلاة فى مساجد آل البيت المنتشرة فى مصر غير جائزة، والتبرع لها أيضا غير جائز، وهو ما يخالف أيضا ما استقرت عليه دار الإفتاء، حيث أشارت فى فتوى لها إلى «أن الصلاة فى المساجد التى بها أضرحة لأولياء الله الصالحين مشروعة وترقى إلى درجة الاستحباب». ولم يكتفِ المجمع بذلك، بل رد على سؤال يقول: «هل يجوز دفن متوفى فى قبر ثم يلحق به مسجد مثل الأضرحة المقامة؟» فكان الجواب «أن المساجد موقوفة لله تعالى وليس للأموات فيها نصيب، ولذا فإن الدفن للميت يكون فى موضعه والمساجد لها قدسيتها وخصوصيتها»، وبرغم صحة الكلام فإن المجمع استرسل فى الإجابة وذهب إلى أن «الاستعانة بالمتوفين فى الأضرحة والنذر لهم تعد من صنوف العبادات التى لا يحل صرفها لغير الله تعالى» وهو ما يعد مخالفا أيضا لدار الإفتاء.

الإمام الأكبر مطالب بالتدخل


يظهر التناقض فى الفتاوى بين مجمع البحوث ومشايخ الأزهر ودار الإفتاء، وإصدار المجمع فتاوى تلبس على الناس، وتؤثر على مصلحة مصر الاقتصادية والاجتماعية، الحاجة لتدخل الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، لتنقية الرصيد الكبير من الفتاوى والآراء التى أصدرها فى تاريخه، والإبقاء على ما يناسب حاجة الناس والزمان الذى نعيش فيه، وتنحية ما دون ذلك.

p



موضوعات متعلقة:


ننشر نص كلمة شيخ الأزهر أمام جامعة مونستر الألمانية

بالصور.. شيخ الأزهر:مستعدون لتدريب أئمة أوروبا لنشر ثقافة الوسطية والتعايش والسلام

العمامة أزهرية والفتاوى إرهابية.. مرصد الأزهر يحرم الديمقراطية ويربطها بالزنا واللواط.. تقرير اللجنة: دخيلة على الإسلام.. ومحللون: لماذا كلما ناقش الإسلاميون موضوعا استحوذ عليهم التفكير الجنسى؟










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

محمود ابو الحسن

حكموا عقلكم

عدد الردود 0

بواسطة:

عايدة

الاسلام ياكل نفسه

الاسلام يأكل نفسه .. بالهنا والشفا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة