فى الوقت الذى تستعد فيه الحكومة لتقديم الموازنة العامة للدولة لعام 2016/2017 لمجلس النواب، توقع نواب وخبراء قانونيون ودستوريون أن يواجه كل من الحكومة والبرلمان أزمة دستورية وسياسية، إذا لم يلتزما بما نص عليه الدستور من تحديد نسبة %10 من الدخل القومى للإنفاق على الصحة والتعليم والتعليم العالى والبحث العلمى، وهو ما اعتبروه أمرًا مستحيلًا.
ووصف متابعون مواد الدستور، الخاصة بتحديد نسب للإنفاق من الدخل القومى، وليس من موازنة الدولة، بأنها مواد حالمة ومستحيلة التطبيق، وتحتاج للتعديل لصعوبة تقدير الناتج القومى، الذى يصل إلى أرقام فلكية، خاصة أن القاعدة القانونية تقول: «إنه لا تكليف بمستحيل»، حيث نص الدستور فى المادة 18 على أن يتم تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى لا تقل عن %3 من الناتج القومى للصحة، ونصت المادة 19 على تخصيص نسبة %4 للتعليم، ونصت المادة 21 على تخصيص نسبة %2 للتعليم العالى، ونصت المادة 23 على تخصيص نسبة %1 من الناتج القومى للإنفاق على البحث العلمى، أما المادة 238 من الأحكام الانتقالية فى الدستور، فنصت على أن تلتزم الدولة بهذه النسب كاملة فى موازنة 2016/2017.
يأتى هذا فى ظل المادة 124 من الدستور، التى نصت «على أن تعرض الحكومة مشروع الموازنة على مجلس النواب قبل 90 يوما من بدء السنة المالية، ولا تكون نافذة إلا بعد موافقة البرلمان والتصويت عليها»، مما يعنى أن الموازنة يجب أن تعرضها الحكومة على البرلمان قبل نهاية شهر مارس، وسط توقعات بوجود صعوبة واستحالة فى أن تلتزم الحكومة بتخصيص %10 من الناتج القومى، الذى يشمل كل شىء حتى دخل القطاع الخاص والشركات الأجنبية والعاملين المصريين بالخارج، وهو ما لا يمكن حسابه.
وأوضح الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادى وعضو البرلمان عن حزب الوفد، «أن المواد 18 و19 و21 و23 من الدستور المصرى حددت نسبة %10 من الناتج القومى الإجمالى للإنفاق على الصحة والتعليم والتعليم العالى والبحث العلمى، مما يعنى أن الإنفاق على تلك القطاعات بعد الزيادة سيقترب من 240 مليار جنيه بزيادة 60 مليار جنيه عن موازنة العام الحالى».
وتوقع محمد فؤاد، فى تصريح لـ«اليوم السابع»، «ألا تستطيع الدولة أن توفر هذا الفائض، لافتا إلى أن عجز الموازنة العامة للعام المالى 2016–2017 سيصل إلى %11.5 رغم أن الدولة تستهدف %9 عجزا فقط.
وأشار «فؤاد» إلى أن توفير الدولة التمويل الكافى للإنفاق على القطاعات السابق ذكرها، الذى قدره بـ60 مليار جنيه زيادة، يكون إما من زيادة الدخل العام أو خفض الإنفاق، وهذا لن يحدث، وبالتالى سيكون توفيرها من الدين العام وعجز الموازنة، مما يتعارض مع خطة الإصلاح الاقتصادى، مشيرا إلى أن الحل المثالى هو اللجوء لجهات دولية مانحة تمول الزيادة فى صورة مشاريع بعينها وقروض طويلة الأجل.
وشَنَّ النائب الوفدى هجومًا على المُشرع المصرى، بسبب مواد الإنفاق قائلا: «هذا كلام غير واقعى، وليس له أى مثيل فى الدنيا، ويجب تعديل تلك المواد لتصبح النسبة المحددة من مصروفات الموازنة العامة، وليس الناتج القومى الإجمالى، لأنه يضم دخل شركات خاصة، والتعديل هنا مش لأن أنا مش قادر، لكن علشان الشرط غير واقعى، وربط الإنفاق على تلك القطاعات بالناتج القومى أمرًا غير منضبط، لأن الدولة لا تملكه لكنها تملك الموازنة، ويجب ألا تقل النسبة وقتها عن %25 من الإنفاق العام».
وأكد الدكتور أشرف العربى، عضو مجلس النواب المعين، أن الحكومة ملتزمة بتخصيص الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق الحكومى على التعليم والتعليم العالى، والصحة، والبحث العلمى، المقررة فى الدستور، وأنه يجب أن تقدم مشروع الموازنة العامة للدولة إلى البرلمان بالحدود الدنيا الموجودة فى الدستور.
وأضاف «العربى» لـ«اليوم السابع»: «إنه من المتوقع أن يأتى مشروع الموازنة مطابقا للدستور»، وأعرب عن رفضه لإجراء أى تعديل على تلك المواد، مؤكدا: «يجب أن نتمسك بتطبيق تلك المواد كحد أدنى، ونعمل جاهدين على توفير الموارد الكافية للإنفاق على تلك البرامج، نظرًا لأهميتها البالغة وتأثيرها المباشر على الوطن والمواطنين».
وأشار عضو المجلس إلى أنه لا تزال هناك مساحة لتحسين إيرادات الدولة، موضحا: «إنه من الممكن تحقيق أضعاف أضعاف الإيرادات الحالية، من خلال إصلاحات ضريبية وجمركية، وسنعمل جاهدين عبر لجنة الخطة والموازنة على دراسة كيفية تحسين الإيرادات الحكومية المرتبطة بتحصيل الضرائب والرسوم بالتعاون مع وزيرى المالية والتخطيط».
وفى ذات السياق، شدد النائب كمال أحمد على ضرورة التزام الدولة بما ورد فى الدستور، فيما يخص معدلات الإنفاق على مجالات الصحة والتعليم، والتعليم العالى، والبحث العلمى، قائلا: «ولو مش قادرة تلتزم تروح وييجى غيرها».
ومن جانبه رأى الدكتور صلاح فوزى، رئيس قسم القانون الدستورى بجامعة المنصورة وعضو لجنة إعداد الدستور، «أن الدستور الذى وضعته لجنة الخمسين به مواد حالمة، ومنها المواد التى تحدد نسبا من الناتج القومى للإنفاق على قطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمى»، كاشفا أنه «كان متحفظا على هذه المادة عند مناقشتها فى لجنة الخمسين، لكنهم كأعضاء للجنة الخبراء، لم يكن لهم حق التصويت».
وأضاف «فوزى»: «إن النص الذى وضعته لجنة الخبراء كان يتضمن تخصيص نسبة من الموازنة للإنفاق على كل قطاع، وسبب تحفظه على تخصيص نسبة من الناتج القومى هو صعوبة حسابه، لأنه يصل إلى أرقام فلكية»، مشيرا إلى أن الحكومة لن تستطيع تنفيذ هذه المادة، وهناك قاعدة قانونية تقول: «إنه لا تكليف بمستحيل»، وبالتالى لا يوجد أثر من الناحية القانونية لعدم الالتزام بهذه المادة، لأنها تمثل التزاما سياسيا.
وأوضح المستشار نور الدين على، الخبير الدستورى، الأثار المترتبة على مخالفة الحكومة لمواد الإنفاق، موضحا: «إن الموازنة العامة تناقش وتصدر بقانون، ولكنه قانون سياسى من حيث الشكل، وليس من حيث الموضوع، لأنه لا يتم الطعن عليه، وبالتالى ستكون هناك أزمة سياسية أكثر منها قانونية، لأنه من الناحية القانونية لا يوجد جزاء يترتب على مخالفة البرلمان لبنود الموازنة العامة، والبرلمان لن يستطيع إلزام الحكومة بتخصيص نسبة الـ%10 على هذه البنود لعدة أمور، أولها أنه لا يوجد جزاء، وثانيها أنه حتى يلزم البرلمان الحكومة بهذه النسب، يجب أن يدبر الموارد اللازمة لها.
واعتبر «على»، مواد التخصيص من الدستور مواد معيبةً، لأنها تحدثت عن تخصيص نسب للإنفاق من الدخل القومى، وليس من الموازنة العامة للدولة، خاصة أنه لا يوجد لدينا وحدة قياس للدخل القومى، فضلا عن أن الدولة لا تملكه وحدها، ولك أن تتخيل أن الدخل القومى لمصر قد يصل إلى 4 تريليون جنيه، فهل يعقل أن توفر الحكومة 400 مليار للصحة والتعليم والبحث العلمى؟
أزمة دستورية بسبب "الموازنة".. "الوزراء" يفشل فى الالتزام بالدستور.. وتخصيص 10% من الدخل للصحة والتعليم والبحث العلمى.. وخبراء: مستحيلة التطبيق ويجب تعديلها
الجمعة، 05 فبراير 2016 04:23 م
مجلس النواب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة