سهيلة فوزى

دارفور.. وجع فى قلب السودان

الخميس، 04 فبراير 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على مدار سنوات كانت اليوناميد - قوات حفظ السلام المشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى - تعمل بإقليم دارفور لحماية المدنيين من الاشتباكات الدائرة، وكانت "اليوناميد" دليلا ماديا قويا على الاهتمام الدولى بقضية دارفور، وما يجرى من انتهاكات لسكانها، ومعاناة استمرت لعقود .

قبل أيام أعلنت الخارجية السودانية إجراء تنسيقات لخروج "اليوناميد" من دارفور، وإنهاء عملها التى بدأته مطلع 2008، ويتجاوز عدد أفرادها عشرين ألفا من الجنود العسكريين، وعناصر الشرطة، والموظفين من جنسيات مختلفة بميزانية بلغت 1.4 مليار دولار عام 2014.

بالطبع رغبة الحكومة السودانية فى خروج البعثة من دارفور يُرجح ادعاءاتها بأن الوضع فى دارفور أصبح مستقرا، وأن الاشتباكات الحالية ما هى إلا مناوشات من قلة متمردة ستنتهى فى القريب العاجل، الغريب هنا ليس إصرار السودان على إنهاء تواجد البعثة، لكن قبول المجتمع الدولى بخروجها خاصة مع تجدد اشتباكات فى منطقة جبال المُرة بدارفور، ونزوح 14 ألف شخص عن قُراهم وفقا لتقديرات "اليوناميد" ذاتها، بعض المراقبين أرجعوا قبول الطلب السودانى بمغادرة البعثة الأممية بارتفاع الأعباء المادية للبعثة، والبعض أرجع الخروج إلى فشل البعثة فى تحقيق أهدافها بل الفشل فى حماية أفرادها فكيف تتمكن من حماية المدنيين، بينما فى رأيى أن خروج "اليوناميد" إشارة إلى تراجع الاهتمام الدولى بقضية دارفور، واليأس من إيجاد حل لصراع محتدم منذ عقود خاصة مع الانشغال بمناطق صراع أخرى كسوريا والعراق والحرب الدولية على داعش.

وكأن المجتمع الدولى أصبح مؤمنا أن الوضع داخل دارفور لن يتحسن عن الوضع الحالى، آملا ألا يتدهور عن ذلك، لكن ما ارتكب من جرائم فى حق أبناء دارفور، خاصة مع تجدد الاشتباكات الأخيرة، يؤكد أن حكومة البشير كحال الحكومات السودانية السابقة ليست مُؤهلة لصنع سلام، ولا تمتلك قدرات سياسية تؤهلها لحل صراع معقد، وممتد كالنزاع فى دارفور .

ما لا يعرفه كثيرون أن إقليم دارفور - الذى يبلغ مساحته 250 ألف كيلو متر مربع - حديث العهد بالسودان، حيث لم تنضم سلطنة دارفور إلى السودان إلا عام 1917 بعد سقوط السلطنة فى أيدى بريطانيا التى ضمتها بدورها إلى السودان الواقع حينذاك تحت سيطرتها .

النزاع القبلى فى دارفور يرجع إلى سنوات طويلة، وكان يتركز فى الأساس على المراعى، والرقعة الزراعية، حيث كانت تتكون دارفور من نوعين من القبائل المستقرة، والمتنقلة أغلب القبائل المستقرة كانت من أصول إفريقية تمتلك أراضيها، وتعمل بالزراعة أما القبائل المتنقلة فأغلبها من أصول عربية تعتمد على الرعى، والتنقل بين المراعى، وجميع القبائل تدين بالإسلام، وكانت الخلافات بين نوعى القبائل قائمة باستمرار ويتم حلها بالمجالس العرفية، ويدور أغلبها حول السماح للقبائل المتنقلة باستخدام بعض المساحات الزراعية فى أيام الجفاف، وكان يتم فض الخلافات إذا ما نشبت إعمالا بمبدأ المصالح المتبادلة بما يعنى استفادة القبائل المتنقلة من الأراضى المزروعة فى موسم الجفاف، واستفادة أصحاب الأراضى بتواجد ثروة حيوانية هائلة للقبائل المتنقلة بأرضيها تعمل مخلفاتها كسماد طبيعى يقوى التربة، ومع الشتاء، وسقوط الأمطار تعاود القبائل المتنقلة إلى مراعيها الطبيعية .

مع انتشار ظاهرة التصحر والجفاف فى إفريقيا زاد توافد القبائل المتنقلة الرحالة على مراعى الأراضى الزراعية للقبائل المستقرة وبدأت الخلافات تشتد، والنزاعات تسيطر أكثر على العلاقات.

تولى الصادق المهدى رئاسة الحكومة فى 1986، واتخذ النزاع فى دارفور منحنى آخر بقدومه، مع وصول المهدى للوزارة شعرت القبائل العربية بدارفور أنها أقرب للوزراة المركزية فى العاصمة من السلطات المحلية بالإقليم التى يتولاها شخص من أصول إفريقية، فبدأت القبائل فى التكتل معا، وتكوين ما سُمى بائتلاف القبائل العربية فى دارفور، حدث ذلك بالتزامن مع ازدياد نفوذ الحركة الشعبية بقيادة جون جارانج فى جنوب السودان - قبل استقلاله - فقامت حكومة المهدى بتجنيد أبناء القبائل العربية لمواجهة احتمال تقدم قوات جارانج إلى دارفور مقابل منح القبائل العربية أراضى لتتحول إلى قبائل مستقرة بالإقليم، حتى أنها قبلت بتجنيد مرتزقة من تشاد وليبيا شكلوا فيما بعد ما عُرف بميليشيات الجنجويد المتهمة بارتكاب مذابح تطهير عرقى ضد القبائل الإفريقية فى دارفور.

مع بداية التسعينيات بدأت السودان تطبيق نظام الحكم الفيدرالى، وقُسمت دارفور إلى 3 ولايات، زاد الصراع مع النظام الجديد حول تقسيم الولايات، وتحديد العواصم وفقا للنفوذ القبلى، وتم اختيار القيادات ليس بمعيار الكفاءة، ولكن حسب الانتماء القبلى، وردا على ائتلاف القبائل العربية فى دارفور قامت قبيلة "الفور"، والتى يعود اسم الإقليم إليها "دار - فور" بتأسيس الحزام الإفريقى، ليكون بذلك هو الكيان الجامع للقبائل الإفريقية فى مواجهة التكتل العربى، من هنا تحول النزاع من خلافات على مناطق المراعى كان يتم حلها بالمجالس العرفية القبلية إلى صراع قبلى مُطلق .

فى مطلع 2001 نشأت أوائل الحركات المسلحة فى دارفور - جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة - التى اتهمت الحكومة المركزية فى الخرطوم بالتمييز ضد القبائل الإفريقية فى دارفور، ومحاباة القبائل العربية بالإضافة إلى دعم ميليشيات "الجنجويد" التى ارتكبت جرائم إبادة ضد الأفارقة، ومنذ انتهجت تلك الحركات العمل المسلح أواخر 2002 دفاعا عن السكان المحليين فى ولايات دارفور ضد قوات الجيش السودانى، حتى الآن ومازال الإقليم يعانى من الصراعات المسلحة بين قوات الحكومة من جانب، وعدة حركات مسلحة انشقت عن الحركتين السابقتين ليشكلوا جميعا بؤرة صراع ملتهبة لا يلوح فى الأفق بوادر لانطفاء شعلتها قريبا.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 6

عدد الردود 0

بواسطة:

صفوت الكاشف*

حسنا // فما هو الحل للمشكلة إذن ؟

عدد الردود 0

بواسطة:

Omer

جبال المرة ؟؟ وبضم الميم ؟؟

عدد الردود 0

بواسطة:

سهيلة فوزي

ردا علي "التعليق الثاني"

عدد الردود 0

بواسطة:

Omer

ايضا خطأ

عدد الردود 0

بواسطة:

عبدالرحمن

طبيعة

عدد الردود 0

بواسطة:

Omer

الاخ عبدالرحمن

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة