ويستمر المؤتمر أربعة أيام حيث يستهل فى اليوم الأول بندوة يلقى وزير التجارة والاقتصاد اللبنانى آلان حكيم كلمة بها، وكذلك السفير المصرى فى لبنان الدكتور محمد بدر الدين زايد، وفى الأيام التالية تعقد البعثة سلسلة لقاءات مع رجال الأعمال اللبنانيين فى بيروت وطرابلس وصيدا، وغيرها من المناطق اللبنانية.
يأتى هذا المؤتمر ليشكل نقلة نوعية للتعاون الاقتصادى بين مصر ولبنان من خلال التأكيد على سياسة التكامل بين البلدين لا التنافس، وهى السياسة التى يعمل عليها السفير المصرى فى لبنان الدكتور محمد بدر الدين زايد منذ توليه منصبه.
وفكرة المؤتمر تعد تعبيرًا عن طبيعة العلاقة العميقة بين الشعبين والمصرى واللبنانى؛ فالارتباط الوثيق بين البلدين على كافة الأصعدة الحضارية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية يعود إلى آلاف السنين، ومؤتمر مصر – لبنان إلى أفريقيا لا يعزز هذا الارتباط فقط، ولكنه أيضًا يعيد إحياء التقاليد الحضارية بين البلدين؛ لأن العلاقة بين البلدين كانت تتسم دوما بالتكامل لا التنافس.
فلبنان منذ فجر التاريخ كان رسولا للحضارة المصرية وجزءا كبيرا من المؤثرات الحضارية المصرية انتقلت للعالم عبر الفينيقيين، فمصر الدولة الحضارية العريقة المتماسكة كانت تبنى ولبنان يطور ويسوق ويبيع، وبينما لم يعرف عن المصريين حب الهجرة خارج أوطانهم فإن حضارتهم ومنتجاتهم هاجرت منذ فجر التاريخ عبر التجار والمهاجرين اللبنانيون قديما.
ولذا ليس غريب ما يروى تاريخيا عن أول رحلة للدوران بحرا حول القارة الأفريقية، قام بها بحارة فينيقيون لصالح فراعنة مصر الذين كانوا يعلمون منذ القدم أهمية أفريقيا لمصر، فكان تعاونهم مع البحارة الفينيقيين أمهر بحارة العالم القديم.
وفى العصر الحالى طبيعة علاقة الدولتين بأفريقيا مختلفة ما يسمح بالتكامل بينهما، فمصر الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية وزعيمة التحرر الأفريقى أقامت علاقات مؤسسية قوية مع دول القارة السمراء، واحتفظت بمكانة عميقة فى نفوس شعوبها، ولكن هذه العلاقات ظلت ذات طابع مؤسسى سياسى فى الأغلب، واقتصادى أحيانًا خاصة فى شرق أفريقيا وكذلك دينى عبر البعثات الأزهرية، ولكن العلاقات المصرية مع أفريقيا لم تشهد زخما على الصعيد غير الرسمى نتيجة لغياب الهجرة المصرية لأفريقيا، ولكن لبنان على العكس يعرف علاقات غير رسمية مع أفريقيا عبر هجرة اللبنانيين الواسعة لأفريقيا (تأتى جزء كبيرة منها من جنوب لبنان)، حيث تمكنوا من لعب دور كبير فى اقتصادات هذه الدول.
وبالتالى فإن التكامل بين مصر الدولة القوية والمتواجدة تاريخيا وسياسيا فى أفريقيا وبين لبنان الدولة المنتشرة بشريا واقتصاديا فى أفريقيا، هو أمر يشكل امتدادا تاريخا للتعاون بين البلدين وتعزيز للواقع الحالى ولنفوذ البلدين الحاضر.
وكان اختيار قطاع التشييد والبناء كانطلاقة لفكرة التعاون المصرى اللبنانى للتصدير إلى أفريقيا نابعا من أهمية وتطور صناعات هذا القطاع فى مصر، وفى الوقت ذاته فإن قطاع المقاولات والتشييد والبناء هو من أهم قطاعات الاقتصاد اللبنانى، كما أن شركات المقاولات اللبنانية لديها مشروعات خارج نطاق البلاد، وهى معروف عنها انتشارها الواسع فى العالم العربى وأفريقيا.
وذكر تقرير أعده مكتب التمثيل التجارى المصرى فى لبنان برئاسة الوزير المفوض الدكتور محمود مظهر أن قيمة المواد والسلع التى استوردها لبنان فى العام 2015 بلغت نحو 18 مليار دولار، وشكلت منها مواد البناء المستوردة مبلغا وصل إلى 546 مليون دولار، إذ أن لبنان يستورد 85% من مواد البناء لاسيما الحديد، وكذلك البلاط، والأدوات الصحية، والبورسلان، القرميد، الرخام، الأبواب والنوافذ، الألومنيوم، مواد الطلاء والعزل والدهانات، الأحجار وغيرها.
وبالنسبة للأسمنت فإن لبنان لا يستورده بل إن هناك تصديرا بنحو 500 ألف طن سنويا لسوريا، إذ لديه مصنعين.
وأوضح التقرير أن قطاع المصارف اللبنانية يقدم قروضا للقطاعات الاقتصادية لاسيما قطاع البناء، والتشييد بفضل ضخامة القطاع المصرفى وتوفر السيولة لديه، فقد بلغت قيمة الودائع فى 2015 نحو 154 مليار دولار منها نحو 100 مليار دولار بالعملات الأجنبية و54 مليار ليرة لبنانية.
هذه الودائع الكبيرة سمحت للمصارف بتوفير قروض للقطاعات الاقتصادية ولاسيما منها قطاع البناء والتشييد الذى استحوذ على نسبة 17% من القروض المصرفية، كما تستحوذ القروض السكنية على نسبة 13% - 15% من إجمالى القروض المصرفية فى ظل السياسية الحكومية فى دعم وتخفيض الفوائد على القروض السكنية لتشجيع المواطنين على بناء أو شراء مساكن لهم ما ساعد فى انتعاش الطلب على بناء أو شراء المساكن.
وأشار التقرير إلى أن عدد العاملين فى قطاع البناء والتشييد فى لبنان يتراوح ما بين 500 ألف إلى 700 آلف شخص وذلك تبعا لانتعاش الحركة وتراجعها، وكذلك تبعا لأشهر السنة حيث ترتفع الحركة فى فصل الصيف وتنخفض فى فصلى الشتاء والخريف.. موضحًا أنه بينما كل الكوادر العليا من مهندسين ومشرفين هم لبنانيون، فإن معظم العاملين هم سوريون مع أعداد قليلة من الفلسطينيين والهنود.
وحول المنافسة فى هذا القطاع.. ذكر التقرير أن قطاع البناء والتشييد يشهد منافسة شديدة فى ظل النظام الاقتصادى الحر الذى يعتمده لبنان، وانفتاح الأسواق على الاستيراد من الخارج، وكثرة المستوردين من مختلف الدول، فتزدحم الأسواق بأنواع متعددة من السلع من مصادر مختلفة وبالتالى تتحدد حركة بيع أية سلعة بأمور ثلاثة:
-جودة السلعة تبعا للعلامة التجارية.
-السعر التنافسى.
-العلاقات والتسهيلات فى الدفع التى يقدمها التجار الى المطورين والمشيدين .
وفيما يتعلق بالوجود اللبنانى فى دول غرب أفريقيا.. فقد أشار التقرير إلى أن هذا الوجود يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وكانت البداية فى الوصول إلى السنغال، ومنها الانتشار فى سائر الدول، ولكن الموجات الكبيرة من المهاجرين وصلت بعد منتصف القرن العشرين وتحديدا منذ العام 1955 وما بعده، وقد تمكن هؤلاء من لعب دور اقتصادى فعال وحيوى فى معظم هذه الدول إذ أمسكوا بمفاصل الاقتصاد الأساسية، وأصبحوا على مر السنوات حاجة وضرورة اقتصادية.
وكانت ولا زالت لهم إسهامات كبرى فى أعمار وتطوير الدول الأفريقية التى حلوا بها، وتمكنوا من نسج علاقات قوية مع معظم حكام تلك الدول لاسيما فى ساحل العاج والجابون والكونغو وغانا وغينيا.
وبين التقرير أنه لا تتوفر إحصاءات دقيقة عن أعداد المهاجرين اللبنانيين فى دول غرب أفريقيا، ولكن يقدر عددهم حاليا بنحو 180 ألفا ـ 200 ألف نسمة.. إذ أن هذه الأعداد غير ثابتة وتختلف تبعًا للأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية التى تمر بها هذه الدول، حيث تراجعت هذه الأعداد بشكل كبير فى الدول التى شهدت أحداثا أمنية استهدفت مصالح اللبنانيين وحملتهم مسئولية المتاعب والأزمات الاقتصادية التى تعيشها، وكان اللبنانيون عرضة للطرد والإبعاد بالرغم من وجودهم التاريخى واندماجهم فى حياة تلك المجتمعات.
وأوضح أن العدد الأكبر من اللبنانيين يتواجد فى دولة ساحل العاج (من 100 ألف - 120 ألفا) ومن بعدها فى نيجيريا (نحو 30 ألفا)، ثم السنغال 20 ألفا، وغينيا 7 آلاف.
ووفقًا للتقرير يملك اللبنانيون قوة تأثير اقتصادى فى الدول التى يتواجدون فيها بمعزل عن أعدادهم القليلة فى بعض تلك الدول، ويمكن القول إن قوتهم كبيرة جدا فى كل من الدول التالية: "ساحل العاج، الكونغو، الجابون، غينيا، توجو".
ففى ساحل العاج: يتحكم اللبنانيون بأكثر من 50% من النشاط الاقتصادى ويملكون 4000 مؤسسة من بينها 1500 مؤسسة صناعية، ويسيطرون على 70% من تجارة الجملة، و50% من تجارة التقسيط و80% من شركات القهوة والكاكاو.
وفى غينيا: يتركز وجود اللبنانيين فى العاصمة كوناكرى، ويعملون فى مجال التجارة والمقاولات والنقل.
موضوعات متعلقة:
سفير مصر ببيروت يبحث مع وزير ثقافة لبنان العلاقات الثنائية بين البلدين