قليل من المربين والموجهين هم من يعنون بتوجيه ؤ لتلك القيمة والحقيقة القرآنية فيجعلون كلام الله هو الأصل الذى تدور حوله عظاتهم وتذكراتهم ونصائحهم وتوجيهاتهم «فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ»، هكذا لخصت الآية الكريمة الأمر ببساطة ووضوح، بالقرآن، بكلام الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
كثيرًا ما يكون مفتاح شخصية الإنسان وسبيل تغييره، فقط، فى التذكير بالقرآن، القرآن وحسب دون وسيط أو إضافة أو تكلف أو كثير من كلام البلغاء ونظم الفصحاء الذى ربما تكون له مواطن أخرى، ولا نقلل منها ولا من أثرها، لكنها لن ترقى أبدا لذلك العلاج الربانى القرآن رغم ذلك فإن قليلًا من الناس من ينتبه وقليلًا من يدرك هذه الحقيقة البسيطة النقية.
حقيقة كونك فى لحظة ما تحتاج إلى أن يُخلَّى بينك وبين كلام ربك مباشرة.. يخاطب قلبك ويمس فؤادك وتهفو إليه روحك، لكن هذا لا يحدث لكل من يقرأ القرآن بل كثيرا ما يشتكى القارئ من عدم التأثر، ويجد جدرانا تحول بينه وبين آيات ربه.
إن حدوث التذكرة والتأثر بالقرآن يستلزم وجود قلب حى يتأثر بالموعظة القرآنية، وتهز أركانه تلك المعانى المبهرة المبثوثة من خلال الوحى الكريم «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْب»، هكذا قالها الله واضحة جلية من كان له قلب هذا هو من يتذكر، قلب سليم، قلب يخشى الله ويتقيه، قلب يخاف الوعيد لكن هذا القلب السليم ليس متوفرا بشكل دائم، بل هو فى الحقيقة من الندرة بمكان!!
فما العمل إذاً إن لم يتوفر هذا النوع من القلوب؟! وهل على مفتقد القلب أو صاحب القلب القاسى، وما أبرئ نفسى، أن يفقد الأمل فى حدوث التغيير المنشود من خلال القرآن؟
الجواب لا.
الله جل وعلى بيَّن طريقة بديلة، على من يفتقر للقلب السليم الحى وينشده أن يسلكها، إنها طريقة الاستماع والمشاهدة «أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ» تأمل قوله ألقى، أن تلقى بجارحة سمعك على باب التدبر، وأن تقطع كل العلائق السمعية الأخرى حين الاستماع للقرآن، وأن تشحذ تلك الجارحة بكامل قوتها متشوقا لكل حرف قرآنى تتلوه أو يُتلى عليك، وأن تفعل ذلك جنبا مع انتباه كامل وإيقاظ للذهن الذى يقع على عاتقه الركن الثانى لتلك الطريقة.. المشاهدة!
أن تنصت بأذنك الآيات بينما تغلق عين بصرك وتفتح عين بصيرتك لتشهد الأحداث والوقائع القرآنية كأنها رأى عين، ترى بعين الشهود مصارع الأمم ومهلك المجرمين الصادين عن سبيل الله.
وتشهد أحداث القيامة وأهوال النشور ومحطات الآخرة التى تتوالى على سمعك، كأنك جزء منها، فأنت تدرك أنك ستكون يوما بالفعل جزءا منها! تتأمل مواقف النبيين وبطولات المرسلين ومنازل الصالحين، وكأنك كنت هنالك.. معهم.
تحزن لحزنهم وتتهلل أساريرك لفرحهم وتصدع معهم بكلمات الحق التى قذفوها فى وجه الباطل، تبحر مع نوح، وتتوكل مع هود، وتحطم الأصنام مع إبراهيم، وتصبر مع أيوب، وتُسبِّح مع داوود، وتصدع مع موسى، وتثبت مع يوسف، وتعبد ربك مع محمد حتى يأتيك اليقين.
تنتقل من مشهد إلى آخر ومن قصة إلى أخرى وتدور مع المعانى والأمثال والمشاهد القرآنية حيث دارت. تلك هى المشاهدة، وذلك هو الاستماع وبهما أو بالقلب السليم، يحدث الانتفاع بآيات الذكر الحكيم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة