الربط بين مصائر المختلفين فى الواقع يكشف عن قدرية التلاقى والخلاف، كنا أشرنا إلى الاختلاف فى المسارات بين راحلين فى يوم واحد هما الأستاذ محمد حسنين هيكل، الكاتب والمفكر، والدكتور بطرس بطرس غالى، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، فقد تلاقت مساراتهما فى الأهرام عندما كان هيكل رئيسا لمؤسسة الأهرام، وغالى يؤسس ويرأس تحرير السياسة الدولية. استمرا متجاورين مع الرئيس السادات، حتى اختلف هيكل وغادر الأهرام عام 1974، وتصاعد الخلاف وبلغ ذروته مع زيارة الرئيس السادات للقدس ومعاهدة السلام مع إسرائيل، وهى الرحلة التى رافقه فيها بطرس غالى. وواصل وجوده بجوار السلطة وزير دولة مع السادات ومبارك، وأمينا عاما للأمم المتحدة. كان الخلاف متسعا، فهيكل كتب بعد ذلك ناقدا للسادات ودور بطرس غالى، ورد الأخير باتهام هيكل.
بمناسبة الرحيل كان تذكر التلاقى والخلاف، كل منهما رأى نفسه قدم ما يرضى ضميره تجاه وطنه. لكن تعليقات الأيام التالية للوفاة كانت مختلفة، منها أحد من قال إن هيكل وطنى وبطرس ليس كذلك. وطبعا هناك من هاجم الاثنين وسحب منهما أى ميزة.
بطرس غالى يرى نفسه أنه خدم وطنه بالطريقة التى يراها، وهو كان ممن يعتقدون أن السادات كان شجاعا فى السلام، بينما كان هيكل وقطاع واسع ممن عارضوا السادات يرون أنه ذهب إلى السلام منفردا وعزل مصر وأضعف القضية العربية. بطرس غالى بعد أن تولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وعندما قصفت إسرائيل مركز «فيجى» التابع للأمم المتحدة فى قرية قانا اللبنانية عام 1996، واستشهد 106 مدنيين، وأصيب العشرات، وبالرغم من أن الولايات المتحدة رفعت الفيتو فى مجلس الأمن ضد إدانة إسرائيل، غالى أصر على إجراء تحقيق عسكرى أدان إسرائيل بتعمد قتل المدنيين، وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن إسرائيل انتهكت القوانين الدولية.
كان تقرير الأمم المتحدة صدمة للرئيس الأمريكى، دفع الولايات المتحدة للمرة الأولى إلى أن تستخدم الفيتو ضد التجديد لغالى فى الأمانة العامة. غالى قال إنه لم يندم على موقفه، بل إنه اتهم بمعاداة إسرائيل، فى الوقت الذى نرى من يقلل من وطنيته.
القضية هنا تثير التساؤل، عن كيفية الحكم على مسيرة الأشخاص بمجمل الأعمال، وليس بنظرات عاطفية أو نسبية أو ترتبط بموقف محدد تختلف فيه أو تتفق مع السياسى أو الكاتب.
ربما تكون الأحكام المطلقة بالوطنية أو الخيانة مريحة وسهلة، لكنها لا تجيب على أسئلة السياسة النسبية بالضرورة، والتى تحتمل وجهات نظر. ينطبق هذا على الأستاذ هيكل الذى قال قبل رحيله إنه يشعر بأنه قدم ما عليه، وهو نفس ما ذكره غالى، ليبقى حكم التاريخ دائما قائما على اختلاف وجهات النظر.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الريس ستامونى
يا معايا .. يا ضدى _________________ يا أهلاوى .. يا زملكاوى