واللافت للنظر أن المُقترح الذى أعلن النائب محمد أنور السادات، بشأن تعديل المادة (49) لتحصين مجلس النواب من الحل، اتجاهه لتقديمه إلى رئيس المجلس، سبق وتقدمت به وزارة العدالة الانتقالية ومجلس النواب برئاسة المستشار إبراهيم الهنيدى فى عهد حكومة المهندس إبراهيم محلب، استجابة لمطالب بعض الأحزاب أثناء تعديل القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، إلا أن الحكومة اكتفت بالموافقة على النص الذى طالبت به المحكمة الدستورية، الذى من شأنه إلغاء قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 26 لسنة 2014 بوضع مدة محددة لنظر الطعون على قوانين الانتخابات، لترمى بالكرة فى ملعب البرلمان المُنتخب صاحب السلطة التشريعية.
أعضاء مجلس النواب المؤيدين لتعديل المادة (49) انقسموا حول مدى التزام البرلمان برأى المحكمة الدستورية حال رفضها التعديل، حيث قال النائب محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، إن الاقتراح بقانون المقدم منه بتعديل المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا، لابد من مناقشته وموافقة الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية عليه، ورأى المحكمة هنا ملزم.
وتابع "السادات": "نطرح وجهة نظرنا ونقترح هذا التعديل والمحكمة من خلال جمعيتها إذا رأى وجاهة للمقترح نظرا لظروف البلاد والاستقرار التشريعى، يمكن أن تأخد به ويمكن ألا تأخذ، وإذا رفضت المحكمة المقترح سنحترم رأيها".
إلا أن النائب أحمد حلمى الشريف، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المؤتمر، اختلف مع "السادات" مشيراً إلى أن مجلس النواب يلتزم بعرض أى مشروع قانون أو مقترح تعديل قانون يتعلق بالمحكمة الدستورية العليا على جمعيتها العمومية ولكن قرارها غير ملزم للمجلس.
أضاف: "ليس هناك علاقة بين حل المجالس التشريعية والقضاء بعدم دستورية نصوص القوانين، لأنه فى حالة الحكم بعدم الدستورية نص فى قانون يجب أن يتم تعديله لتحقيق دستوريته، لكن لا يترتب عليه حل المجلس، قائلا: "عدم حل المجالس النيابية من النظام العام، وهنا نحن ننشد الاستقرار، والمشرع لا يستهدف من هذا النص حل المجلس، لأن ارتباك المشهد وعدم استقرار الدولة من حل المجالس وإبطال عملها تتـأثر به الدولة كمنظومة كاملة، وهذا ليس فى مستهدف المشرع ولا مقصده".
أما عن رأى المحكمة الدستورية فقال المستشار رجب سليم، المتحدث الرسمى للمحكمة الدستورية العليا، ونائب رئيس المحكمة، إن المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية، تعطى للمحكمة السلطة التقديرية فى تنظيم الأثر المباشر لعدم دستورية نص تشريعى، بأن يسرى على المجلس الحالى أو التالى.
وأضاف أن المادة 49 تنص على أن: "أحكام المحكمة فى الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة، وتنشر الأحكام والقرارات المشار إليها فى الفقرة السابقة فى الجريدة الرسمية وبغير مصروفات خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ صدورها، ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالى لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخاً آخر، على أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبى لا يكون له فى جميع الأحوال إلا مباشر، وذلك دون إخلال باستفادة المدعى من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص، فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائى تعتبر الأحكام التى صدرت بالإدانة استناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن، ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه.
وأشار إلى أن المادة 191 من الدستور تنص على أن: "المحكمة الدستورية العليا جهة قضائية مستقلة، قائمة بذاتها، مقرها مدينة القاهرة، ويجوز فى حالة الضرورة انعقادها فى أى مكان آخر داخل البلاد، بموافقة الجمعية العامة للمحكمة، ويكون لها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصره، وتدرج بعد إقرارها فى الموازنة العامة للدولة رقما واحدا، وتقوم الجمعية العامة للمحكمة على شئونها، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين المتعلقة بشئون المحكمة".
وأوضح أن عبارة "تؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين" معناها أن هذا الرأى ملزم ليتم الأخذ به، مؤكدا أن أى عضو مجلس نواب من حقه أن يتقدم بمشروعات لتعديل القوانين، وعندما يتعلق مشروع القانون بالمحكمة الدستورية يعرض الأمر على جمعيتها العامة لتقول رأيها بشأنه.
واختلف أساتذة القانون الدستورى وخبراء القانون مع تفسير المتحدث الرسمى للمحكمة الدستورية العليا، حيث قال الدكتور صلاح فوزى، رئيس قسم القانون الدستورى بجامعة المنصورة، إنه يجب على البرلمان عند تعديل أيا من مواد قانون المحكمة الدستورية العليا أخذ رأى الجمعية العامة للمحكمة الدستورية إعمالا للنص الدستورى (191)، التى تنص على أن يتم أخذ رأى المحكمة الدستورية فى مشروعات القوانين المتعلقة بشئون المحكمة، إلا أن رأيها يعد استشارياً شأنها شأن مجلس الدولة وليس ملزم لأنه يندرج تحت بند "أخذ الرأى".
وأضاف فوزى فى تصريحات لـ"اليوم السابع" أنه من الناحية القانونية المجردة فإن من حق مجلس النواب تعديل أى من مواد قانون المحكمة الدستورية العليا حتى لو رفضت المحكمة ذاتها ذلك التعديل فالبرلمان صاحب سلطة التشريع والكلمة النهائية له وحده فالمحكمة ليست جهة تشريع، لكن من الناحية الأدبية على المجلس النيابى حال رفض الجمعية العامة للمحكمة تعديل أى من المواد التريث فى اتخاذ قراره.
وتابع فوزى أن النص (49) من قانون المحكمة الدستورية يمنحها سلطة تحديد ميعاد تطبيق الأثر حيث يفيد النص بعد الاستدراك الذى نشر فى الجريدة الرسمية بعددها 28 مكرر "ب" بتاريخ 12 يوليو 1998، بأن أحكام المحكمة وقراراتها للتفسير ملزم لكل سلطات الدولة. ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص فى قانون او لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالى لنشر الحكم، مالم يحدد الحكم لذلك تاريخاً آخر........"، وبالتالى فالأمر فى يد المحكمة لكن لتجنيبها الوقوع فى حرج سياسى حول مجاملة مجلس نيابى، وجب التدخل التشريعى بالتعديل بالنص على بتحديد أثر حكم المحكمة الدستورية العليا فى حال ترتب على الحكم بعدم الدستورية بطلان تشكيل المجلس النيابى بأن يسرى أثر الحكم على التشكيل التالى للمجلس.
وأيده فى ذلك المستشار نور الدين على الخبير القانونى مشيراً إلى أن أخذ رأى المحكمة الدستورية وفقا للنص الدستورى (191) استشارى وليس ملزم على البرلمان، ويمكن للمجلس التشريعى أن يُجرى التعديل رغم رفض المحكمة الدستورية، إلا إن ذلك قد يأجج صدام بين البرلمان والمحكمة الدستورية حيث قد تقضى المحكمة الدستورية ذاتها بعدم دستورية التعديل الذى أدخله البرلمان، لندخل فى دائرة مفرغة.
وتقدم نور الدين، بمقترح لتجنب ما قد ينشأ صدام بين البرلمان والدستورية، وذلك بإدخال تعديل تشريعى على المادة (49) يدعو المحكمة الدستورية بالأخذ بقاعدة الإجماع بخصوص الأثر الرجعى للمحكمة الدستورية العليا، فإذا رأت المحكمة عدم دستورية نص قانون متعلق بالعملية الانتخابية وترتب عليه تطبيقه بأثر رجعى يجب أن يكون تقرير ما يتعلق بالأثر بالإجماع وليس الأغلبية، وقد عرفت تلك الفكرة فى التجربة الأميركية لافتاً إلى أن الأخذ بهذا المقترح يتماشى مع فكرة أن الأصل فى التشريعات "الدستورية" فضلا عن أن المحكمة تقيد به نفسها ذاتيا لمنع الصدام مع البرلمان ويجنب المجتمع مليارات الجنيهات التى تنفق على العملية الانتخابية وتأكيد احترامه للإرادة الشعبية التى افرزت البرلمان.
وشدد على على ضرورة تعديل المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية والمتعلقة بالأثر الرجعى للمحكمة، وذلك لتعامل القوانين المتعلقة بالعملية الانتخابية معاملة القوانين الضريبية، بحيث لا ينطبق الحكم بعدم الدستورية عليها الإ فى أثر فورى مباشر ولا ينسحب على الماضى، وبالتالى يستكمل المجلس التشريعى مدته على أن يقوم البرلمان بإصلاح العوار الدستورى المقضى بعدم دستوريته قبل الانتخابات البرلمانية التالية، لافتاً إلى أن تعديل المادة من شأنه الحافظ أيضا على التوازن بين السلطة القضائية والتشريعية.
موضوعات متعلقة..
- "الإصلاح والتنمية" يحصن البرلمان بتعديل قانون الدستورية ويرسله للمجلس الأحد