أكرم القصاص - علا الشافعي

أحمد إبراهيم الشريف

فيلم «ذيب» الأردنى

الخميس، 18 فبراير 2016 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الفن لا علاقة له بالصخب والضجيج، ولا تأتى قيمته من كثرة الدعاية، ولا حتى من أسماء نجومه وصناعه، بل تعرف قيمته من أثره، ومن تقنياته الفنية، حتى لو كانت أدواته بسيطة، وكذلك من احترامه لعقل المشاهد، ومحاولة إقناعه بأن ما يحدث أمامه ليس تداعيا يأتى عفو الخاطر، لكنه العمل المتقن واحترام المتفرج، كل هذه الأفكار وغيرها تتوارد على الذهن عند مشاهدة فيلم «ذيب» الأردنى المرشح للأوسكار والحاصل على جائزة «البافتا» البريطانية، بعدما حصل مخرجه ناجى أبونوار، بجائزة أفضل عمل أول عن الفيلم، كما فاز من قبل بجائزة أفضل مخرج فى مهرجان البندقية السينمائى عام 2014.
يحكى فيلم «ذيب» عن طفل بدوى عاش فى الصحراء العربية فى زمن العثمانيين والاحتلال الإنجليزى للبلاد والعباد، يعرض لقبائل تعيش فى الصحراء جنوب الأردن، والفيلم يشغلك ببيئته العربية الواضحة، وبتفاصيل الصحراء التى تملأ الصورة، وبالشمس والماء القليل والجبال التى تحدد زاوية الكاميرا والجمال التى لم يكن أبدا مشيها وئيدا، كما يمنح الفيلم مساحة أكبر لأصحاب المكان كى يتحدثوا عن أنفسهم، فلم يقم المخرج الأردنى الذى يحمل جنسية بريطانية بالنظر للصحراء من خلال عيون الأجنبى فيجعلها ساحرة وهادئة وجميلة، بل نظر لها من عيون أبنائها، فهى مخيفة وقاتلة وصامتة لدرجة الرعب، وإذا تحدثت كان كلامها وجعا.

وفيلم «ذيب» له من اسمه نصيب، كل شىء فيه متربص بالآخر، فيحدث القتل دون سبب واضح، وتحدث النجاة فى نهاية الفيلم أيضا دون سبب واضح، كل شىء فيه قدر من الشراسة، حتى كائنات الفيلم، جماله وماؤه وحجارته وذبابه وشمسه وطرقه الوعرة والرصاص المتناثر فى كل مكان بها شىء من التوتر، و«ذيب» نفسه يسعى للمعرفة وسط كل ذلك.

استطاع صناع الفيلم أن يقدموا عملا مميزا، وأن يلفتوا الأنظار ناحية إبداعهم، وسواء بوعى منهم أو بدون وعى، طرحوا أكثر من فكرة تقنية فى صناعة الأفلام العربية وكيفية وصولها للعالمية، وقدموا نظرية مخالفة لما فى أذهان البعض عن العالمية، فالفيلم لا ينتمى للأفلام ذات الميزانية الضخمة، فلم نجد مجاميع مهولة تسد الأفق ولا آلات يتم تحطيمها ولا جبل يتم تفجيره، ولا حتى قطار يخرج عن قضبانه كى يصنع الإثارة، لكن كم مرة حبسنا أنفاسنا ولمعت عيوننا ونحن نبحث مع «ذيب» عن سكة للخروج من مأزق أو بحثنا معه عن طمأنينة هاربة إذا ما عوت الذئاب خلف صخرة يجلس فوقها، كما حطم الفيلم فكرة «النجومية» المعروفة لدينا فأبطاله ليسوا ممثلين متمرسين، بل هم أفراد قبائل تعيش فى جنوب الأردن اختبروا التمثيل للمرة الأولى.

يمكن لنا أن نصنع فيلما جيدا، فقط علينا العمل وعلينا أن نصدق أنفسنا، وأن نحكى عما يخصنا من أفراح وأحزان، وأن نروض بيئتنا الحقيقية وأن نعرف قيمة الفن.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة