محمد شومان

هل لدينا سياسة إعلامية؟

الأحد، 14 فبراير 2016 11:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقصد بالسياسة الإعلامية مجموع الممارسات الواعية والمدروسة والسلوكيات الاتصالية فى مجتمع ما، بهدف تلبية الاحتياجات الاتصالية من خلال الاستخدام الأمثل للإمكانيات أو المصادر البشرية والطبيعية المتاحة فى المجتمع. ويمكن القول إن التجربة شبه الليبرالية (23 19 - 1952) افتقدت السياسة الاتصالية بالمعنى السابق، وإن ظهرت فيها مجموعة من التشريعات والقوانين التى نظمت إصدار الصحف وحالات فرض الرقابة وجرائم النشر، ورغم أن هذه التشريعات والقوانين التزمت بالمفاهيم الليبرالية لحرية الصحافة، حيث كفلت إلى حد كبير وعلى المستوى النظرى حق كل الأحزاب والقوى الاجتماعية والأقليات فى إصدار الجرائد وتداول المعلومات، إلا أنها على المستوى العملى عانت من تدخل الاستعمار والانقلابات الدستورية والصراعات الحزبية الضيقة، علاوة على انتشار الأمية، وبالتالى ضعف قاعدة القراء.

وفى المرحلة الناصرية 1952: 1970 عرفت مصر سياسة إعلامية واضحة تقوم على هيمنة الدولة والمسؤولية الاجتماعية على وسائل الإعلام، وخلال هذه الفترة جرى تأميم الصحافة، وعرف المصريون التليفزيون، وكان تابعا للدولة تماما مثل الإذاعة التى نشأت فى عام 1934 تابعة للدولة، ووضعت الدولة الناصرية قيودا واضحة، معلنة أو غير معلنة على حرية الرأى والتعبير، فالحرية كل الحرية للشعب، ولا حرية كما كان يقال لأعداء الشعب!! واستمرت هذه القيود فى مرحلة السادات مع تغيير فى الأهداف والمسميات، وبالرغم من التحول السياسى والاقتصادى فى توجهات الدولة، وضاق السادات ببعض الحرية التى منحها للصحف الأحزاب الوليدة، فأغلقها جميعا واعتقل كل رموز التيارات والأحزاب السياسية فى سبتمبر 1981.

وشهدت سنوات حكم مبارك انهيار الاتحاد السوفيتى والتحول العالمى نحو الديمقراطى، علاوة على ثورات تكنولوجيا الاتصال والإعلام، لذلك اضطر مبارك إلى توسيع هامش حرية الإعلام والسماح بصحف حزبية وخاصة وقنوات فضائية خاصة، لكن كل هذه المسموحات لم تقنن أو يصدر بشأنها قوانين واضحة باستثناء الصحافة، التى خاضت معركة طويلة لتقنين أوضاعها، ومع ذلك ظلت هيمنة النظام قوية على الصحف القومية، وأكثر قوة وإحكاما على الإذاعة والتليفزيون، وذلك من خلال استخدام أنظمة وآليات غير مكتوبة، لكنها معروفة جيدا، فرئيس التحرير الذى تعينه الدولة أو رؤساء القنوات التليفزيونية هو الأخ الأكبر، الذى يمارس الرقابة على كل شىء، ويتحقق من أن كل وسائل الإعلام الحكومية تنفذ التعليمات. القصد، لم تظهر فى عهد مبارك قوانين أو تنظيمات جديدة ترتب علاقة النظام بوسائل الإعلام العامة أو الخاصة، واعتمد مبارك على ترسانة التشريعات والقوانين الإعلامية الموروثة من عصر عبدالناصر والسادات، إضافة إلى آليات السيطرة غير المباشرة والقواعد والأعراف المتوارثة فى السيطرة على الخطاب الإعلامى وتوظيفه لتزييف وعى المواطنين.

وأخشى أن يستمر هذا الوضع، لأن ثورة 25 يناير أطلقت حرية إنشاء وإدارة الصحف والقنوات الخاصة، من دون أن يهتم المجلس العسكرى وحكم الإخوان بإعادة صياغة السياسة الإعلامية، ووضع قوانين جديدة وإنشاء هيئات تنظيمية وإشرافية على الإعلام تمثل مصالح المجتمع، وبالتالى وصلنا إلى مرحلة الفوضى الإعلامية التى نعانى منها جميعا، ويشتكى منها الرئيس والحكومة والأحزاب وأغلبية المواطنين بل والإعلاميين أنفسهم. المطلوب الآن وفى ظل الدستور الجديد شبه المعطل أن يعاد رسم السياسة الإعلامية، من خلال تطبيق وتفعيل مواد الدستور الخاصة بحرية الرأى، والتعبير وحرية الإعلام وإنشاء هيئات تنظيمية جديدة، بحيث نستكمل الإطار التشريعى والقانونى لحرية الإعلام، مع الاهتمام أيضا بوضع قواعد للجوانب الفنية، والاقتصادية للإعلام، وكذلك الاهتمام بأوضاع الإعلاميين، من جوانب عديدة أهمها تعريف الإعلامى فى ظل ثورة إعلام المواطن والسوشيل ميديا، والتأهيل المهنى والتدريب وضمانات حماية الإعلاميين وتحديد حقوقهم ومسؤولياتهم وواجباتهم، وأخلاقيات ومواثيق السلوك المهنى والمنظمات والاتحادات والنقابات المهنية، علاوة على الظروف المؤثرة على عمل الإعلامى داخل المؤسسات الإعلامية أو خارجها، لكن يبقى السؤال، هل يمكن وضع سياسة إعلامية من دون أن تكون لدينا رؤية لطبيعة النظام الاقتصادى الاجتماعية، واستراتيجية التنمية فى المجتمع خلال العشرين أو الثلاثين سنة القادمة وحتى 2040. هذا هو التحدى، وإن لم نحسمه سنظل بدون سياسة إعلامية، وفى الأغلب ستظهر نصوص قوانين متفرقة لا تشكل سياسة إعلامية بالمفهوم العلمى المتعارف عليه، وإذا ظهرت نصوص جيدة فإنها قد تظل حبرا على ورق.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة