الحديث يطول حول صناعة إعلام مغاير عما نعيشه فى الوقت الراهن.. عن سبل مواجهة ما يصفه البعض بالفوضى الإعلامية.. الكل يتحدث، وينتقد، ويقيم وسائل الإعلام.. وكلٌ يبكى على ليلاه.
أكثر ما استفزنى فى الحديث عن الإعلام كلام متناقض بتدخل الرئيس فى الإعلام تارة.. ومطالب له بضرورة التدخل لمنع فوضى الإعلام تارة أخرى.. حديث ومطالب تبتعد عن واقع وموقف الرئيس، فقد طالب أكثر من مرة بضرورة تنظيم الصحفيين والإعلاميين شؤونهم.
لم يتدخل الرئيس منذ توليه الحكم فى 18 يونيو 2014، وكان من حقه، إصدار تشريعات وقوانين تنظيم الإعلام، قبل اكتمال منظومة التشريع بانعقاد مجلس النواب فى 10 يناير 2016.
لم يفعلها الرئيس، ولن يفعلها، وأعتقد أنه يدرك أهمية أن يضع الإعلاميون قوانين وضوابط ومواثيق الشرف الصحفى والإعلامى بأنفسهم، حتى لا يكون قانون الرئيس فى مواجهة المتطرفين المنادين بإلغاء سقف الحريات الإعلامية، رغما عن قيم المجتمع والأمن القومى للدولة. فترك للإعلام تنظيم شؤونه والحوار مع مجلس النواب المختص بالبناء التشريعى للدولة.
فقد اكتملت أركان الدولة بوجود برلمان، فأصبحت مهمة السلطة التشريعية وضع القوانين للسلطة القضائية التى تلتزم بها، فتصدر أحكامها لتدخل حيز التنفيذ من قبل السلطة التنفيذية المعنية وهى هنا الحكومة بمختلف وزاراتها. هذا التسلسل المطمئن هو عنوان أى دولة ناجحة، وبالتالى احترام الفصل بين السلطات الثلاث دون جور أو تدخل مبدأ دستورى التزم به الرئيس خاصة فى التعامل مع قوانين الإعلام والصحافة.
كان هناك كما نقرأ فى التاريخ ما يسمى طوائف الحرفيين التى تنظم شؤونهم وتحاكم المخالفين والمتجاوزين، وتمنع وتمنح، وتحفظ الحقوق، وكانت السلطة تعتمد عليهم كثيرا فى شئون إدارة الدولة وإنجاز مشروعاتها.
ورغم تقدم الزمن وما نشهده من طفرة حديثة فى المؤسسات الإعلامية ونحن فى القرن الواحد والعشرين الميلادى إلا أن الإعلام فى بلادنا حتى الآن لم يواكب العصر، ولا حتى فعل كما كانت تفعل طوائف الحرفيين فى القرن السابع عشر الميلادي، فصرنا نشهد على فوضى وتجاوزات كثيرة، فى حقوق أفراد تناولهم الإعلام بالتجريح، وفى حقوق المشاهدين بتقديم مختلف صنوف الإسفاف، فضلا عن انتهاك قدسية القيم والعقول بنشر الدجل والشعوذة.
إلقاء اللوم على الرئيس والسلطة التنفيذية فيما تشهده مصر من فوضى إعلامية أمر غير منصف، فالرئيس دعا أكثر من مرة وفى لقاءات عدة، الإعلاميين إلى تنظيم شؤونهم.
والمحاسبة أمر ضرورى لضمان ازدهار أى مهنة.. ولكن قيام هوجة ضد إعلامى ارتكب خطأ جسيم ثم يسفر الأمر "على مفيش" قمة العبث. . و"ضحك على الدقون". فنحن فى حالة ثراء إعلامى بتعدد القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية يجب الاستفادة من طاقاتها وتطويرها حتى لا نعيش فوضى إعلامية حقيقية، فالإعلام أصبح من الأولويات والضروريات فى حياتنا، لا غنى عنه.
لا يمكن لأحد أن ينكر دور الإعلام فى بناء الدولة وبناء عقل ووعى المواطنين.. لا يمكن أن نتجاهل دوره فى التنمية التى لن تتحقق إلا بمشاركة الشعوب ومساعدة وسائل الإعلام فى ذلك.
لا يمكن تجاهل دور الإعلام فى بناء الوعى السياسي، وتثقيف المجتمع، والتعليم، والترفيه أيضا، لذلك كلنا مهمومون بصناعة إعلام مغاير.. يبنى ولا يهدم.. يساهم فى التنمية.. والتثقيف والتوعية. حتى لا نعيش سويقة إعلامية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة