سيناوى يسير 26 كيلو يوميا ليصل المدرسة ويحصل على الماجستير بسن الـ50

الثلاثاء، 06 ديسمبر 2016 05:00 ص
سيناوى يسير 26 كيلو يوميا ليصل المدرسة ويحصل على الماجستير بسن الـ50 الباحث عن العلم سليمان شميط
شمال سيناء - محمد حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

رحلة عمر، قضاها أحد أبناء بدو سيناء باحثًا عن العلم، بدأت فى طفولته الأولى بالسير 26 كيلو مترًا مترجلاً على قدميه للوصل لأقرب مدرسة ابتدائية فى رحلتى ذهاب وإياب يومية، وصلت به وهو فى يتخطى حاجز الخمسين من عمره، لمرحلة تحقيق حلمه الأول بالحصول على درجة الدكتوراه فى إصرار نادر من نوعه على تخطى كل العقبات.

 الباحث عن العلم سليمان شميط

الباحث عن العلم سليمان شميط

"بالعلم نرتقى.. بالعلم نسموا ونعلوا".. شعار ردده "سليمان شميط" فى مستهل سرده لذكريات رحلته مع التعليم، وهو يتحدث لـ" اليوم السابع" من غرفة جانبية اتخذها موضعًا لاستقبال ضيوفه تلاصق منزله البسيط فى أطراف قرية "الروضة" بمركز بئر العبد.

 

قال "شميط"، إنه ينتمى لعشيرة "العدايسة"، إحدى عشائر قبيلة "السواركة" بسيناء، وكان والده حريصًا على تعليمه فى أواخر الستينيات من القرن الماضى، ولتحقيق ذلك تحدى والده كل عقبات كانت كفيلة بنسف حلم تعلمه حرفًا واحدًا، فكانت أقرب مدرسة للمنزل تبعد نحو 13 كيلو مترًا، وعندما قرر التسجيل فيها كانت المفاجأة أن كل أوراق شهادات الميلاد ضاعت فى أتون حرب 1967 واحتلال سيناء، وبدأت انفراجة الأمل بقرار تكوين لجنة لتسنين الطلبة واستخراج شهادات ميلاد لهم، وبدأت رحلة العلم من هذا اليوم.

 أمام منزله البسيط بقرية الروضة

أمام منزله البسيط بقرية الروضة

بداية الرحلة

ووصف "سليمان شميط" بداية رحلته بأنها كانت صعبة جدًا، فهو طفل صغير يغادر منزله البسيط المكون من عشة من جريد النخل صيفًا وبيت شعر فى الشتاء، ويحمل أدواته المدرسية فى حقيبة من القماش تحيكها والدته واسمها "مخلاة"، ويسير من منطقة "الصنقور" ببئر العبد حتى مدرسته بقرية "مزار" على مشارف غرب العريش، وسط تلال رملية وعرة، وتبدأ أولى خطواته مترجلاً لمدرسته، مع انبلاج أول ضوء الصباح ويصلها فى منتصف النهار، وغالبًا ما يكون توقيت الفسحة المدرسية، وبعد وقت قليل من تحصيل العلم يعود لمنزله، ويصل مع مغيب الشمس، ويستريح ساعات الليل، ولم يكن متاحًا وجود أى نوع من الضوء، فلا تتوفر لمبة جاز أو شموع، والمذاكرة كان يستوفيها حقها وهو يسير على قدميه فى رحلتى الذهاب والعودة لمدرسته.

 

حال التعليم 

ويذكر أن حال التعليم فى ذاك الوقت كان جيدًا، رغم بؤس الحال الشديد ولم يكن هناك أى اهتمام بالشكليات، فهى جرعة علم قوية يقوم بها معلم واحد، يدرس للطلبة من الصف الأول حتى السادس الابتدائى، وعددهم لا يزيد عن 50 طالبًا بكل فصولهم، ولا ينسى أن من بين معلميه المميزين الأستاذ "حيدر"، الذى يتميز بقوة شخصية ومرونة فى تشجيع المميزين من الطلبة، ومن المفارقات أن المعلم فى ذلك الوقت يملك سلطة القرار فى مدرسته بما يراه فى صالح الطالب.

 داخل مكتبه يراجع أوراقه العلمية

داخل مكتبه يراجع أوراقه العلمية

وأضاف، أن حتى ملابسهم لم يكن عليها قيود فهو وأقرانه يذهبون بما يملكونه من ملابس، وهى "الجلباب" وأدواتهم المدرسية البسيطة جدًا، ويرسل والده لطلبها من مدينة العريش مع أحد السائقين، ولم يكن يجد عيبًا أن يتدثر فى الشتاء بسترة والده وعباءته الطويلة، فالغاية فى المضمون وليس المظهر.

 

وأشار إلى أن أسرته المكونة من والده ووالدته وأشقائه الـ6، كانت تنشغل بيوميات الحياة والسعى لكسب الرزق البسيط من رعى الغنم والإبل والذهاب فى رحلة صناعة العجوة من مزارع النخيل البعيدة فى شهر الخريف من كل عام، وكان كل ما يعنى والده أن يتعلم ابنه وكان عليه أمام هذا الخيار أن يجتهد اجتهادًا بما يملك من وعى وهو طفل، حيث لا أحد يشجع أو يرشد إلى ما هو صحيح فى دروب العلم المتشعبة والأكبر من إدراكه.

 حريص على العلم فى كل وقت

حريص على العلم فى كل وقت

وصول المدينة لأول مرة

وتابع، أنه بعد انتهاء المرحلة الابتدائية انتقل للإعدادية فى السبعينيات، ولم تكن فى قراهم أى مدرسة إعدادية متوفرة وكان عليه الذهاب لمدينة العريش، ولا ينسى أنه انبهر وهو يدخل المدينة لأول مرة فى حياته، وكأنه يرى شيئًا عظيمًا رغم أن العريش كانت ولا تزال مدينة بسيطة قياسًا ببقية المدن، وقضى فى تعليمه الإعدادى سنواته الثلاث متخذًا منزل أحد معارفه فى حى "أبوجرير" بالمدينة مكانًا له، وكان يجد صعوبة فى زيارة والديه وهو فى هذه السن نظرًا لصعوبة المواصلات، ولأن حياة البداوة ليست سهلة فى ذاك الزمن فهو حال وصوله لزيارة والديه يشاركهم على الفور أعمالهم المنزلية، ومنها جلب الماء على ظهور الإبل من مسافات بعيدة، والحرث باستخدام المحراث اليدوى فى وقت الزراعة.

 

وأضاف أنه فى السنة الأخيرة من المرحلة الإعدادية عاد لمدينة "بئر العبد"، وحصل من إحدى مدارسها على الشهادة الإعدادية، ثم عاد للعريش من جديد وواصل فيها دراسته الثانوية، ومنها لجامعة "الزقازيق"، التى حصل منها على ليسانس آداب وتربية قسم جغرافيا، وعاد للعمل فى مدرسة قرية الروضة التى لا يزال يسكنها معلمًا بالمرحلة الثانوية، ثم مديرًا للمدرسة فى القرية، ثم ترقى مديرًا للعلاقات العامة فى إدارة بئر العبد التعليمية ولا يزال فى هذا المنصب.

 

درجة الدكتوراه 

وقال "سليمان شميط"، أنه كان طامحًا أن يحصل على درجة الدكتوراه، وعمل على تحقيق ذلك بعد تخرجه وتدرجه فى الحياة العملية، ولم يلق لتقدم السن أى اهتمام، وحاول نيل الدرجة من كلية التربية بالعريش ووجد صعوبة واتجه لجامعة عين شمس وحصل منها على درجة الماجستير فى عام 2016، ويواصل دراسته العلمية بالتحضير لدرجة الدكتوراه، ومضمونها "تفعيل برنامج المواطنه البيئية لدى طلبة التعليم الأساسى لتطبيق قياس المواطنة لديهم قبل وبعد تطبيق البرنامج".

 

تقدم العمر 

وأضاف، أنه لا يعبأ بعثرة تقدم العمر ويعلم أنه لن يستفيد فى حياته العملية كثيرًا من الدرجة العلمية، وهو سعيد أنه أعطى مثالاً للأجيال من حوله فى عدم اليأس، والحرص على التعليم، وكان ناتج ذلك أن أكثر من 20 طالبًا من أبناء قريته ممن أنهوا تعليمهم المتوسط سارعوا واستكملوا دراستهم الجامعية عن طريق التعليم المفتوح، ويسعون لمواصلة تعليمهم بالتسجيل لنيل درجات علمية، وأنه فوجئ خلال تدريسه فى مدرسة قرية الروضة، ورغم فارق الزمن بطالب يحضر يوميًا للمدرسة من تجمع سكنى يبعد 7 كيلو مترات عن القرية يسمى "غريف الغزلان"، وكان لا يتصل بأى طريق، والطالب يصل للمدرسة على ظهر "جمل" يوميًا، وكان هذا الطالب متفوقًا وحرص على تشجيعه ومؤزرته، حتى تخرج من كلية التربية، وأصبح معلمًا مشهودًا له بالكفاءة.

 

إنسان بسيط 

وتابع، انه لا ينكر أنه إنسان بسيط طامح للعلم فى شخصه وأبنائه وأهل قريته وعموم سيناء، ويفتخر بذلك فكل مدخرات حياته أنفقها على العلم، وتعليم أبنائه، ويقول إنه أب لثلاث أبناء، ابنته الكبرى أنهت دراستها بكلية التربية بجامعة العريش، بدرجة مرتبة الشرف، ويأمل أن تنال حظها بالعمل معيدة فى الجامعة، وابنه الثانى طالب فى كلية الهندسة بجامعة سيناء، ويتمنى له أن يصبح مهندسًا متخصصًا فى الكشف عن ثروات سيناء بشكل جديد، وليس نمطيًا، وتدرس ابنته الصغرى فى المرحلة الإعدادية.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

بركة

تحية من كل مصري

شكراً لليوم السابع على تقديم هذه القصة الرائعة لرجل مصري أصيل ونرجو فضلا المزيد من التفتيش والتنقيب على هذه النماذج الباهرة .. نهدي هذه القصة الى الفيسبوكيين والمتنطعين وهواة الثرثرة والاشاعات .. إهداء مع التحية لكل انسان يخلص العمل ويراعي الله في السر والعلن .. لم يشكو الرجل من بُعد المدرسة ووعورة الطريق ولم يولول ويلطم كما يفعل أهل التوك شو !!.. لم يبحث عن كاميرا ليشكو ويصرخ كما يفعل الناس حينما يرون كاميرا تلفزيونية !!.. في الفجالة أخذت السيدة تصرخ وتقسم انها لاتستطيع شراء شيئ وبعد لحظات التقطتها الكاميرا عفويا وبالصدفة وهي مش قادرة تشيل المشتروات الكثيرة !!!!! .. نحتاج للقناعة والرضا والمثابرة والجلد .. أصبح الكثير كا الاطفال يشكو ويشكو ويريد من أبويه كل شيئ .. أصبحت برامجنا تعيش سهراتها الممتدة على السلبيات وغياب الأمل .. هذا الرجل المثابر القوي الارادة يعلم كل هؤلاء دروساً في التحمل والصبر فما بالكم بحاجة مصر الى الصبر والعمل وتجاوز كل الصعاب من أجل المستقبل المشرق .

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة