كان الوقت صباحا فى«مثل هذا اليوم 6 ديسمبر 1925» حين اجتمع رئيس الوزراء أحمد زيور باشا ببعض كبار رجال وزارة الخارجية، واجتمع الوزراء عنده نحو ساعة، ثم نزل بعد الظهر متوجها إلى القصر الملكى للقاء الملك فؤاد، وعاد«زيور باشا»إلى مكتبه بالرئاسة قبل الساعة الخامسة.
كانت التحركات تسبق موعد التوقيع على تنازل الحكومة عن«واحة جغبوب» لإيطاليا لضمها إلى «برقة الإيطالية» «هكذا كانت التسمية على جزء من الأراضى الليبية»، ووفقا لأحمد شفيق باشا فى«الحوليات السياسية–الحولية الثانية 1925»، غادر«زيور» ديوان الرياسة الساعة السابعة مساء، وكان الميعاد المحدد لتوقيع المعاهدة فى منتصف الساعة الثامنة، وقبل الميعاد المحدد بخمس دقائق وصل المركيز «نجريتو كا مبيازو»رئيس اللجنة الإيطالية التى تفاوض نظيرتها المصرية فى ترسيم الحدود «راجع ذات يوم أمس 5 ديسمبر»، وبعد الميعاد المحدد بنحو ثمانى دقائق عاد «زيور»بـ«الردنجوت»،وبعد دقائق قليلة وصل السكرتير الأول لدار المندوب السامى البريطانى واجتمع به دقيقتين فى الردهة الملحقة بغرفته، وبعد ذلك جلس السكرتير فى غرفة السكرتارية وبقى فيها منتظرا إلى أن تم التوقيع على المعاهدة.
قام الفريقان«المصرى والإيطالى» بمراجعة الصورتين المعدتين من المعاهدة للتوقيع، ووفقا لـ«شفيق باشا»، فإنه فى الساعة الثامنة وعشرين دقيقة وقع «زيور باشا» الذى كان يحتفظ بمنصب «وزير الخارجية» مع رئاسة الحكومة، وعن الجانب الإيطالى وقع المركيز «نجريتو كامبيازو»، وتبادل الحاضرون التهانى، ودخل عليهم السكرتير الأول لدار المندوب السامى، وبقى معهم دقائق ثم عاد ليبلغ المندوب السامى النتيجة، وخرج المندوبان الإيطاليان يطفح وجههما بشرا وسرورا، وصرح رئيسهما لمندوب جريدة السياسة: «إننا مغتبطون بالنتيجة فقد جاءت خير حل بين الطرفين وهذه نتيجة مرضية لنا ولكم».
يذكر«محسن محمد» فى كتابه«سرقة واحة مصرية» «سلسلة كتاب اليوم–أخبار اليوم–القاهرة»، أن يوم توقيع الاتفاق نشأت عقبة لم تخطر على البال، حيث أصر الإيطاليون على تنفيذ الاتفاقية عقب توقيعها مباشرة دون انتظار لتصديق البرلمان كما ينص الدستور، وقدم الوفد الإيطالى اقتراحا بذلك وطلب الموافقة عليه،وأصر مجلس الوزراء على الرفض بالإجماع،وتدخل المندوب السامى البريطانى«جورج لويد» لدى الوفد الإيطالى المفاوض، فوافق على حذف الفقرات التى اعترضت عليها الحكومة، لكن الوزراء أصروا أن يحصلوا على تأكيد من إيطاليا بأنها لن تقوم تحت أية ظروف بتنفيذ الاتفاقية إلا بعد تصديق البرلمان عليها، ويذكر «لويد» فى مذكرة أرسلها إلى حكومته فى لندن: «لم يكن زيور باشا قادرا على التأثير عليهم وكان يجلس منهارا وهو يشعر بالارتباك»، يضيف«لويد»: «أرسلت فى طلب المفاوضين الإيطاليين مرة أخرى عقب العشاء، قالوا إنهم قابلوا رئيس الوزراء وإنه استعاد توازنه بصورة كبيرة، وعلى أية حال ولأكون فى جانب الأمان قمت باستدعاء على ماهر باشا وزير المعارف الذى كان أكثر الوزراء تشددا فى المجلس،وكانت مشاعره قد هدأت أيضا،أعرب عن استعداده للتوصل إلى صيغة تسمح بالتنفيذ الفورى لحين تصديق البرلمان المصرى على المعاهدة ».
أرادت إيطاليا أن تتظاهر بأنها أعطت مصر شيئا مقابل«جغبوب» حسب قول«محسن محمد»،فتضمن الاتفاق على تنازلها لمصر عن ملكية«بئر الرملة»وعن منطقة تحيط بالبئر،وممر من الأرض يكفى–كما يقول الاتفاق–لإيصال هذه البئر بالحدود المصرية،وحدد الاتفاق المنطقة التى تحيط بالبئر بألا يزيد نصف قطرها عن 500 متر.
رفض«زيور باشا» أن يوزع على الصحف المصرية نسخة من الاتفاق بعد التوقيع بدعوى أنه مكتوب باللغة الفرنسية، ويحتاج وقتا للترجمة، وفى يوم 8 ديسمبر أقام «زيور باشا» مأدبة غذاء فى نادى محمد على دعا إليه المندوبين المصريين والإيطاليين،وحسب محسن محمد:«تبين بعد توقيع الاتفاق أن إيطاليا لم تكن تتوقع أن تسلم مصر فى جغبوب بهذه السهولة،وأنها استدعت للقتال ألفى رجل ومدافع ومدرعات كانت مستعدة لأن تزحف لاحتلال جغبوب».
كان رد الفعل الشعبى غاضبا،ووفقا لـ«محسن محمد»:«أضرب طلبة المدارس فى كل المدن الكبرى احتجاجا،وتوجه وفد من طلبة كلية المعلمين ودار العلوم إلى منزل سعد زغلول ، وطاف الطلاب بدور الصحف المصرية يحتجون،وخرجت بعض الصحف المصرية متشحة بالسواد وأعلنت مدينة الإسكندرية الحداد،وأصر طلبة«الفنون الجميلة»أن يستمر إضرابهم عشرة أيام.
عدد الردود 0
بواسطة:
حزين
الحق يقال
مصر أخذت في المقابل مدينة السلوم التي لا تدين بالولاء لمصر ولا معظم قبائل أولاد علي التي لجأت لمصر بسبب بطش الإيطاليين، لكن في الحقيقة واحة جغبوب غنية بالبترول والمعادن. لتكن مناطق مفتوحة بين البلدين بعد القضاء على الإرهابين وبدلاً من نشر أخبار تفسد العلاقات الودية والتعاون الوثيق بفضل سياسة الرئيس السيسي والمشير حفتر. لنجعل هذه المناطق التي تبادلها البلدين في عهد الإستعمار مناطق تعاون وتكامل مفتوحة الحركة للبضائع والأفراد وغيرها.