فى موضوع الإعلام المصرى، هناك الكثير من الأقاويل، منها مع، ومنها ضد، ومنها ما يشرح، ومنها ما ينتقد، لكنى لست بصدد التقييم المهنى وقد لا أصلح، لكنى كمتلقى يمكننى ذلك ولى ولغيرى كل الحق، فى هذا المقال سأتناول جزئية معينة وهى التغير اللحظى والوقتى لتوجه الإعلام، ولا أعنى بكلمة توجه أن هناك إرادة جمعية تحرك الأدوات الإعلامية المسموعة أو المقروءة أو المرئية، وإنما أعنى القضايا الساخنة التى تجعل الصحفى أو معد البرنامج يسيل لعابه المهنى كى ينال من هذه الموضوعات.
دائمًا أقول أن مهنة الصحفى أو الإعلامى لا تقل أهمية عن مهنة القاضى، بل أن حكم القاضى يمكن أن يستأنف أو يتم نقضه لكن حكم الإعلام كالرصاصة يخرج ولا يعود، وعلى المتضرر أن يذهب إلى حيث يشاء فليست هناك قوة تستطيع منع الخبر من الانتشار فى ظل وجود هذا الكم من المواقع الإلكترونية التى تنقل عن بعضها البعض بسرعة جنونية.
لكن هل يعقل يا سادة أن نكون على علاقة تاريخية وأبدية بدولة من الدول، وبسبب أو لآخر يحدث خلاف تتبعه فى يوم وليلة حالة من السخط العام على هذه الدولة؟ هل يعقل أن تتغنى بأفعال هذه الدولة معنا وبحكامها وفجأة تصبح مغضوبًا عليها؟
هل ننسى سريعًا التاريخ؟ «طبعا لا أقصد الدول المعروفة بعدائها الدائم لمصر» هل من المعقول أن يكون هناك شخص ذو تاريخ وأعطى لبلده الكثير ولسبب أو آخر تنهال عليه السهام لمجرد فهم خاطئ من صحفى أو إعلامى؟
إن مسألة ضمير الصحفى أو الإعلامى لابد ألا تخضع لأى رقابة سوى لشخصه ومبادئه، ولا يجوز أن تخضع طالما أنها تدخل فى الإطار المشروع وتبتعد عن الجريمة.
إننى أنظر إلى أمور نراها يوميا تشكل نظرية جديدة أسميها «القتل المعنوى» وهى جريمة لا حساب عليها فى القانون، لكن من شأنها أن تسبب قتلا مجتمعيا لكل من يتم تناوله فى الصحافة والإعلام نتيجة حكم متسرع، وحتى وإن راجع صاحب الحكم رأيه فسيكون سبق السيف العزل وأصبحت النار تسرى فى الهشيم بشكل سريع.
نعم ليس الإعلام وحده بتصريحاته الذى يضر الدولة فحتى مسؤولين فى الدولة حاليين كم تسببت تصريحاتهم فى أزمات.
وكم من الذين يدعون أنهم كبار فى مهنتهم كانوا سببًا فى حدوث بلبلة فى الشارع بسبب بعض تصريحاتهم وآرائهم وقد يكون ردهم بعد وقوع الكارثة «لم نقصد».
إن الالة الإعلامية سلاح خطير لا يمكن أن يكون موجهًا للانتقام، أو للنيل من الكيانات الاقتصادية أو الأشخاص وفقا لهوى صاحبه، لا يمكن أن تسخر الوسيلة الإعلامية لتمجيد صاحبها أو لمضايقة خصومه أو منافسيه.
وطبعًا الإعلامى المحترف يستطيع أن يصيغ هذه السياسة فى إطار مهنى، بحجة أنه يقوم بعمله إلا أن أصحاب المهنة أنفسهم ومن الكلمة الأولى يعرفون لماذا كتب المقال ولماذا جاء المانشيت بهذه الصورة أو لماذا دعيت شخصية بعينها لفقرة مطولة فى برنامج، حتى وإن لم تتضح هذه الحقيقة للمتلقى العادى.
لابد أن يكون لكل من يمتهنون هذه المهنة العظيمة قراءة فى تاريخ الدول وحجم علاقاتها بمصر وتأثير سوء العلاقة على الحاضر والمستقبل وأن يتفهم الجميع أن الخطأ من الجانبين قد يكون بسيطا، إلا أن تداعيات الخطأ والتلاسن المستمر أمور يصعب تداركها وذاكرة الشعوب لا تنسى.
إن أحدا لا ينكر إطلاقا دورا كبيرا للإعلام قام به على مدار سنوات مضت، وتعرض بعض الإعلاميين للتهديد فى أمنه هو وأسرته إلا أنه أيضا لابد أن نغلب العدل والموضوعية فى كل الآراء، فلا يعقل أنه إذا اختلف الإعلامى مع وزير من الوزراء أن تكون كل أفعال هذا الوزير رجس من عمل الشيطان! ولا يتم النظر لأعماله الإيجابية.
ولا يعقل أيضًا أنه بسبب أن مسؤول له علاقات «لطيفة» مع الإعلاميين أن يكون الملهم الذى يعمل ولا يعمل غيره فى هذا البلد وتنشر أخباره يوميًا.
إن الحقيقة والأحداث لن تخرج للنور إلا عن طريق الإعلام ولا يمكن لأى مواطن أن يتابع ما يجرى فى بلاده إلا بمتابعة التليفزيون أو الجريدة أو الراديو، لكن أيضا يجب التفرقة بين الخبر والرأى، فالخبر لا يمكن الاختلاف عليه وتحرى الدقة فيه واجب مهنى يحتمه القسم، أما الرأى فكل إعلامى ومبادئه وضميره ومصداقيته لدى المتلقى.
إننى أشفق على المواطن الذى يقع ضحية فى بعض الأحيان لمصيدة نصبت له بشكل بارع ومحترف يخرج فيها الإعلامى نجما كبيرا ويضع فى رأس المشاهد أو القارئ أفكارا تمت صياغتها بخطة محكمة لخدمة أهداف معينة، سواء سياسية أو تجارية أو مجتمعية.
أحيانًا أشاهد جائزة تمنح من مكان يملكه رجل أعمال لبرنامج يساهم فيه نفس رجل الأعمال.
وأحيانًًا أرى شخصيات يتم تلميعها لخدمة مصالح تجارية، وأخرى يتم هدمها تحسبًا لقوتها فى المستقبل. وكم من صفحات تم كتابتها من أجل الانتقام أو لتركيع صاحبها، وكم من برامج كانت لخدمة قضايا مموليها، حتى وإن ظهر للمشاهد عكس ذلك، ما هى دى الحرفنة ودى الكارثة فى نفس الوقت.
إننى لا أعتقد أن هناك ما يسمى بميثاق العمل الإعلامى لأن التصرفات لا تحكم بالمواثيق وإنما تحكم بالقوانين.
ولا أعتقد أيضا أن كثرة القوانين التى تعيق الرأى والتعبير أمر يمكن تقبله فى أى مجتمع، حتى وإن استغل البعض القليل هذا الأمر فى غير محله.
كذلك هناك من يرى أنه هو الذى على صواب والتيار المضاد له فى الرأى دائمًا على خطأ حتى وإن صلى العصر حاضرًا أربع ركعات، لا يعقل أن لا تجد فى غيرك أى حسنة وتجد فيه كل مذمة!
دعونا نناشد الإعلاميين المصريين أصحاب الضمير وما أكثرهم أن يزرعوا فى الأجيال القادمة ضرورة التحرى فى نقل الخبر وأن يعلموهم أن الكلمة نور، وأن بعض الكلمات قبور، وأن سمعة العائلات قد تنهار من خبر وأن انتشار الخبر غير الصحيح لا يمكن تداركه.
إن ما قام به الإعلاميون خلال فترة الحرب على الإخوان لهو أكبر دليل على وطنية كثير منهم فلا شهرة ولا مال كانت ستنفعهم وقت أن كانت أرواحهم مهددة.
لكن أيضًا مرحلة البناء تحتاج إلى عمل يمتاز بالدقة والموضوعية لاسيما فى هذا المجال الدى يمس كل نواح الحياة.
كلنا نخطئ فى كل المهن، لكن من عظم بعض المهن لابد أن يكون الخطأ فيها نادرًا.
إننى أتمنى أن أرى فى مصر قناة إخبارية عالمية تنقل الخبر كما هو بكل أبعاده، وبشكل صحيح ودقيق ويكون لها من التقنيات العالمية ما يساعدها على المنافسة فى الفضاء الخارجى وتستطيع أن توصل صورة حقيقية عن مصر وأهلها.
لا يمكن أنه بعد أن كان المصريون سببا فى بناء العديد من الفضائيات العربية أن يعجزوا عن إنشاء فضائية مصرية باحتراف!
مازلت أراهن على ضمير الصحفى والإعلامى الذى يعرف جوهر الرسالة السامية لهذه المهنة الشاقة والممتعة.
وعلى الدولة أيضًا أن تتعامل مع الإعلاميين بمنطق الشراكة الكاملة لصالحها ولصالح المواطن، وأن تكون معه طول الوقت لا وقت الأزمات فقط، فبدون الإعلام لا تستطيع أن تطبق أى سياسة اقتصادية أو أن تنشر أى ثقافة مجتمعية.
أعرف أن السنوات الماضية سببت أحداثًا تخرج عن النطاق الطبيعى لكن بمرور الوقت تهدأ الدنيا ويصح الصحيح.
إن الكلمة أمانة، وأثق أن أهل الكلمة فى مصر هم أهل لهذه الأمانة وعليهم أن يردوها كاملة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة