نقلا عن العدد اليومى...
فى الرحلة التى تستمر ساعتين بين الصحراء والقطع الزراعية المتناثرة بمحافظة المنيا، بالتأكيد سيقودك هذا الفراغ لتهيم فى ذكريات طفولتك، كانت السيارة «تنشال وتنهبد» حسب التعبير الدارج، مع كل منحنى وفوق كل مطب، ومعها تتقلب صور الطفولة، حيث كثير من المتع التى لم يشاهدها بطلنا «مصطفى» الذى بلغ 14 عاما ليجد نفسه داخل دائرة الهموم مبكرا، فهو يستيقظ فجرا ويذهب للعمل فى المحجر على ظهر سيارة نصف نقل هو وزملاؤه ليجد نفسه فى أحضان جبل قاس وبرد قارس.
«القومى للطفولة»: لسنا جهة اختصاص فى تنفيذ القانون
محمود سليمان، مسؤول ملف عمالة الأطفال بالمجلس القومى للطفولة والأمومة، يقول: «إننا بحاجة ماسة لتنفيذ القوانين للحد من الظاهرة، لأننا لسنا جهة اختصاص فى تشريع القانون أو تنفيذه، ودور المجلس ينحصر فى وضع الاستراتيجيات ورسم السياسات التى من شأنها مواجهة عمالة الأطفال، مشيرا إلى أن المجلس لا يستطيع مراقبة ومحاسبة أداء الوزارات تجاه الظاهرة، وإنما نكتفى بالمتابعة وإصدار توصيات من شأنها مساعدة المسؤولين فى اتخاذ القرارات اللازمة».
9 سنوات من البراءة احترقت فى مصانع الطوب
فى بنى سويف، كانت المأساة متشابهة، والتفاصيل مختلفة، حيث لم يفقد «محمد حنفى» والده فقط، لكنه فقد أيضا أجزاء من أصابعه التى تتآكل مع كل نقلة طوب، وفقد كثيرا من طفولته وسط الغبار والدخان، هو لم يتجاوز الـ12 عاما ومات أبوه منذ 6 سنوات، فأصبح مسؤولا عن والدته التى تعانى أمراضًا مزمنة، وإخوته الثلاثة، فيعمل 10 ساعات متواصلة فى أحد مصانع الطوب بمركز إهناسيا، ويلخص حالته بالقول: «أنا مقدرش على الشغلانة لوحدى، والعيال اللى معانا بتتريق عليا، فبجيب أخويا يساعدنى ومبياخدش فلوس أصلا، بس المعلم بتاع المصنع بيديله فلوس من معاه»، شقيقه محمود يبلغ من العمر 9 سنوات لديه بدن هزيل ويعانى من أنفلوانزا مزمنة، ويقوم بنقل الطوب مقابل 2.5 جنيه للطن.
الضرب فى العامل «مباح» حتى لو كان طفلاً
بعيدا عن الجدل القانونى حول عمالة الأطفال، يبقى جانب اللاإنسانية هو الأكثر إظلاما فى التفاصيل اليومية لهؤلاء الأطفال، فهم يتعرضون يوميا للانتهاك البدنى أو اللفظى، بدءا من عملية نقلهم فى سيارات «المواشى»، مرورا بمعاملة مقاولى الأنفار لهم الذين يمارسون كل ما تعرفه الوحشية من أساليب لـ«ظبط الشغل»، حسب اعتراف «م.ع» الذى يعمل مقاول الأنفار بقرية تمام كساب ببنى سويف منذ 20 عاما، ويؤمن بأن استخدام الضرب أثناء عمل الأطفال فى الأراضى الزراعية «مباح»، وواجب أغلب الأوقات، مؤكدا أنه لا يوجد مقاول أو متعهد أنفار لا يمارس الضرب مع العاملين، وصولاً إلى حالة القتل التى شهدتها قرية ناصر بمركز الواسطى بذات المحافظة منذ عام مضى.
بلاغات خجولة بالانتهاكات
يعد أحمد عبدالتواب، من جمعية «الحياة أفضل»، سعى الجمعية لتمكين الأطفال داخل المحافظة من بعض حقوقهم بشأن العمل، بمثابة محاولات «بائسة»، لأن خط نجدة الطفل يستهدف ما يقارب 300 ألف طفل عامل فى المحافظة، إلا أننا لم نتلق سوى 10 بلاغات خجولة بشأن الانتهاكات خلال شهر، وغالبا ما تكون الاتهامات لأصحاب العمل بالضرب والأذى المعنوى، وهو ما يعد انتهاكا صارخا لحقوق العامل، ناهيك عن كون عمل الأطفال مخالفة من الأصل.
الأيدى الناعمة لم تعد كذلك
فى السابعة صباحا تقف ندى رمضان محمد «11 سنة» أمام مدرستها الابتدائية، ليس سعيا للتعليم، ولكن لانتظار سيارة «الريس ياسر» التى تنقلها مع أطفال فى سنها، إلى «الغيط»، للعمل 10 ساعات يوميا فى حصاد البصل وتجهيزه للتصدير إلى إيطاليا، فى انتهاك صارخ للقوانين التى تحظر تصدير المنتجات الصناعية والمحاصيل الزراعية لبلدان العالم التى يشارك فى صناعتها الأطفال دون سن الـ18 عاما، حسب المواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر، ويشرف على تنفيذها عضو دائم لدى مصر فى منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة. تقول ندى، إن عملها يجبرها على الغياب من المدرسة، بسبب أسرتها التى أصبحت تعتمد بشكل أساسى على الـ40 جنيها التى تتقاضاها كل يوم، وتسلمها ليد أحد والديها، وأكثر ما تخافه هو الإصابة من «الكتر» الذى تنظف به البصل، أو إصابتها بالبرد الذى يقعدها فى المنزل ويعطل مسيرة العمل، بسبب الطقس القاسى.
انتزاع لقمة العيش من وسط القمامة
مثلما تدارى ندى آلامها باختطاف السعادة بجنى المال، هناك آخرون يبعدون عنها بحوالى 120 كيلو، يتحدثون عن ضرورة عمل الطفل لكى يبتعد عن الجريمة، وهو ما حدث مع «ناصر محمد على التونى»، ابن الـ12 عاما، فمنذ أن رحل والده منذ سبع سنوات للعمل فى الأردن وتغيب من وقتها ولم يعد، وترك له ستة أشقاء، وجد نفسه برفقة أخيه الأكبر بـ«مقلب قمامة» بالدراسة فى قلب القاهرة، بحثا عن قوت يومه، وأملا فى جمع بعض المال وإرساله إلى والدته فى محافظة أسيوط، لمساعدتها فى تجهيز زفاف شقيقته الكبيرة، ولكن لا تجرى الرياح بما تشتهيه السفن، ومنذ بداية أول يوم عمل فى «مقلب» القمامة دخل ناصر وشقيقه فى مشاجرة مع باقى الأطفال فى العمل، أصيب على أثرها بقطع سطحى فى الوجه، ووجد نفسه متهما بعدها فى قسم الشرطة. ناصر لخص مأساته ومعاناة زملائه فى العمل، خلال حديثه لـ«اليوم السابع»، قائلا: «بشتغل فى الزبالة بقالى سنين، وبفرز منها البلاستيك والكرتون والورق، مشكلتى فى الشغل الريحة وحشة ومحدش بيطيقها خالص، ومعنديش بطانية نظيفة باخد الغطا بتاعى من الزبالة، والدنيا برد اليومين دول، وبعدين أنا بشتغل من الساعة 6 الصبح للساعة عشرة بالليل، وفى الآخر يدوب بجيب عشرين أو تلاتين جنيه».
محمد «ظبوطة» مثال حى لشخصية الأسطى «بليه»
حصرت السينما صورة الطفل العامل فى شخصية «بلية» الشهيرة، وهو الصبى الظريف الذى يعمل فى الورشة ويتحمل قهر «المعلم» وتأفف الزبائن، لكن الواقع يحمل من الألم أكثر من ظرف السينما، لأن محمد يحيى البالغ من العمر 15 عاما يعمل «ميكانيكى» ويحمل اسم الشهرة «ظبوطة»، يعانى من أنيميا فى خلايا المخ تلازمه منذ ولادته، وهو ما أفقده أحد أهم حقوقه فى العمل رغم مخالفتها للقوانين، وهو المقابل المادى الذى لا يتعدى الـ120 جنيها فى الأسبوع بأكمله، بسبب فقدانه الكثير من مؤهلاته الصحية.
عمالة الأطفال تفضح انهيار أسطورة الذهب الأبيض
يكمن دائما الشيطان فى تفاصيل القوانين أو عدم تنفيذها، حيث يكشف هانى هلال، الأمين العام للائتلاف المصرى لحقوق الطفل، أن قانون التعاونيات الزراعية ينص فى أحد بنوده، على أن الأسر فى الأرياف التى تتكون من أكثر من طفلين ملزمة بتقديم أحد أبنائها للعمل فى الأراضى الزراعية، فى موسم حصاد القطن وجمع دودة القطن، محذرا من أن تتعرض مصر للاتهام بالعمل القسرى للأطفال بسبب قانون التعاونيات الزراعية، بالإضافة إلى أن العديد من الدول الأوربية قامت برد المنتجات القطنية المصرية فور وصولها بسبب معرفتها بمشاركة الأطفال فى صناعتها، أسوة بما حدث مع الصين بعد اتفاقية «الجات» عندما تعاقدت إحدى الشركات الصينية على إنتاج كرة القدم الخاصة لمباريات كأس العالم لعام 2014، قام منظمو البطولة برد الكرات للصين بعد اكتشاف مشاركة الأطفال فى صناعتها.
اتفاقية حماية الطفل «حبر على ورق»
يبدو أن مصر لديها مشوار طويل لتصل إلى المستوى الأمثل من الاهتمام بتوفير بيئة مناسبة تحمى هؤلاء الأطفال من هذه المآسى، رغم أنها ملتزمة بعدد من الاتفاقيات الدولية التى تشدد على هذا الأمر، فى 6 يوليو 1990 وقعت مصر اتفاقية حقوق الطفل التى نصت المادة 32 منها على «حق الطفل فى حمايته من الاستغلال الاقتصادى، ومن أداء أى عمل يرجح أن يكون خطيرا أو يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدنى أو العقلى، أو الروحى أو المعنوى أو الاجتماعى».
عدد الردود 0
بواسطة:
اشرف ابو العنين
المصرى الاصيل
ياريت نسيب الملك للمالك انتهت التربيه والتعليم فاخرجت لنا جيل لايعرف الا اللماضه وقلت الادب وليس عنده فكره عن التربيه والتعليم ياريت تسيبوا الاطفال وتبعدوا عنهم بحجه حقوق الطفل حتى يصعد لنا جيل يعرف قيمة المال ومن اين يكتسبه وفيما ينفقه
عدد الردود 0
بواسطة:
moraed
اين الدولة من تلك المهزلة
من المسئول على اغتيال طفولة هؤلاء
عدد الردود 0
بواسطة:
طفوله منسحقه ومسحوقه
أول طوبه فى بناء الدوله المدنيه الحديثه هى حماية الطفوله من الاستغلال نتيجة الحاجه و الفقر
000000