"صك الغفران" لـ"إيهاب مصطفى" دعوى إبداعية ضد "الفتنة الطائفية"

السبت، 03 ديسمبر 2016 11:00 م
"صك الغفران" لـ"إيهاب مصطفى" دعوى إبداعية ضد "الفتنة الطائفية" غلاف الرواية
كتب ياسر أبو جامع

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"دعوتك يا رب أن تجعلنى محبا للعالم برغم قسوته، ونسيت يا رب أن أدعوك أن تجعل العالم يحبنى أيضا، ودعوتك يا رحيم أن تجعل احتمالى أكبر من عجزى، وجعلت عجزى أكبر من احتمالى، أكان لزاما على يا رب أن أولد وأنا مكروه، وأن أعيش وأنا ملقى بين عالمين كلاهما يرفضنى، وأن أكون لعنة وأصاب أنا بها".. بهذه اللغة البسيطة والعميقة - فى آن - ينقلنا الروائى الشاب إيهاب مصطفى إلى عالم روايته "صك الغفران"، يجعلنا نمشى جنباً إلى جنب بجوار بطله "عبد الله" صاحب هذا الصوت السابق، الممزق بين أم وأخت مسيحيتين وأخ وحبيبة مسلمين، ينقلنا مع نقله لخطواته على طريق الترعة المؤدى إلى مدخل النجع، عائداً بعد أن أتم يومه فى عمل الشاق ككل أبناء الجنوب، الذين لم يوفر لهم الحظ قسطا وافراً من التعليم أو المال، وهم كثيرون.

 

يصوغ الكاتب حكاية البديعة والموجعة من خلال "عبدالله" القديم/الحديث/الإنسان.. "عبد الله"، الذى يمثل نقطة الالتقاء بين ديانتين وعالمين يمثل نصفا من كليهما، ينخرط بينهما ويشكل وجودا قويا فى كل عالم ولا يشكل أى وجود فى باقى الأنظار، "عبدالله" الإنسان لا "المسلم/المسيحى"، "عبد الله" القادر على لمّ الخيوط وفردها فى قدرة عجيبة لتتلاقى وجهات النظر والذى أمسكت به الخيوط وجعلته مجرد معادلة تنتمى إلى باقى المعادلات الوجودية، بين عالمين كلاهما ينتمى إليه ويكرهه.

 

تبدأ معاناة عبد الله الإنسان مع مواجهته لباقى القلوب التى تلوثت بالعصبية الموروثة، ولأن حياته ونشاته وارتباطاته مغايرة عن الوعى الجمعى فقد نما بعيدا عن كل الأحقاد وإن كان يرمى بها.

 

"أنا وحيد فى هذا العالم، أنا الشقى والمتعب والمعذّب، حالة خاصة ربما لا ينجبها العالم كل عصر كامل، وربما لا ينجبها على الإطلاق، حالة لا تمر مرور الكرام بغير قلق من المفترض أن يقلق نومي، ويبعثر راحتى على كفوف التعب، (ماتيلدا) أختى وليست أختى، (مارية) أمى وليست أمى، معى أخ وحيد، وهو مسافر إلى ليبيا كعادته، معى خطيبتى التى تعذبنى أكثر من الجميع، كل شىء فى العالم يحتمل الوجهين بالنسبة لي، أنا أحيا لكنى لا أحيا كباقى الناس، مجرد مواقف تشكلت لتمنحنى تعاسة مجانية وأبدية، وشقاءً أراه فى عيون من حولى، بل فى عيون أخى قبلهم".

هكذا بدأت معاناته مع العالم، فى الأمام الأخت ماتيلدا والأم مارية وخلفه سليم والأب، وراحت المعاناة تكبر وتترامى أطرافها ويشتد عودها فى عين الطفل، بيد أنه لم يتأثر وإن رمى الكل إلى نطاق الجهل.

 

تطرح الرواية عددا من الأسئلة الشائكة حول النجع والعقول والتطور فى بنية المجتمع، التطور الذى سمح بتعددية الرؤية من خلال التليفزيون والذى فتح عيون النجع على العالم فتعاظمت الرؤية وكبر الحقد على الآخر.

 

جاءت لغة "صك الغفران" منسابة بقدرة عالية وحرفية وجاءت بعض الجمل لتؤكد قدرة الراوى من المفردات فأقنع الكل أن له معجما خاصا بعيدا عن أدباء الجنوب، ونجح تماما فى استخدام ضمير الأنا ليزرع تلك الحميمية فى المفردات، والتى تضافرت مع طين النجع لتمنح السياق السردى قوة ورشاقة.

 

حقيقة، لن يصدق أى قارئ-كما حدث معي- أن هذه هى الرواية الأولى لـ إيهاب مصطفى وإن كان سيجمع معظمهم على أن إيهاب استطاع أن يكون فى الصف الأول من حيث الحدث والقدرة على التنقل بالشخوص والإمساك بزمامهم ومراقبتهم بعين واثقة.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة