وائل السمرى

وحى لا ينقطع

الجمعة، 23 ديسمبر 2016 08:13 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يولد الطفل وهو مدرب على التقاط صدر أمه والاطمئنان إلى رائحتها وحضنها ودقات قلبها، لا يعلمه أحد كيف يرتشف من صدر أمه الحياة، وكيف يلبى نداء الطبيعية، فيقوم بوظائفه الحيوية الضرورية، ويولد وهو مدرب على إمساك أى شىء بيديه، لكنك تعرف الآن أنه يولد أيضا وهو مدرب على سماع الموسيقى التى تصيبه بحالة فريدة من السكينة والطمأنينة وكأنها تمام الإنسانية والإعلان الباهر عنها.
 
تفكر: أذنان وقلب، هى كل ما يحتاجه الواحد ليصير مريدا للموسيقى، وليس غريبا أن يكتشف العلم مؤخرا أن اكتمال قلب الجنين يكاد يكون متزامنا مع بدايات السمع فى الشهر الرابع وليس غريبا أيضا أن تعرف أن حاسة السمع تكاد تكون الحاسة الوحيدة التى يولد بها الطفل مكتملة تمام الاكتمال، فتشعر وكأن الله قد هيأ الإنسان لسماع الموسيقى وكأنها قوت وماء ودماء، فيولد الطفل مجذوبا نحو الموسيقى مشدوها لها متبعا أثرها، لا يهدأ ولا يرتاح إلا حينما تعانق روحه حروف السلم الموسيقى.
 
تتأكد من أن الموسيقى هى وحى الله الذى لم ينقطع، فقد أرسل الله الرسل بمعجزاتهم وآياتهم ووهبهم القدرة على الإقناع والتأثير وأنزل عليهم كتبه لتكون للعالمين دستورا وبيانا، لكن كل هذا «الوحى» يتطلب رشادا ووعيا لاستيعابه، أما الأطفال فلابد لهم من طريقة لتعلمهم المحبة والتسامح والنظام والعذوبة والانسيابية فكانت الموسيقى وحيا للذين لم يخضعوا بعد لسطوة الكلمات ولم يركعوا أمام هيكل الحروف والمعانى.
 
تفكر: هذا الطهر النائم بين زراعيك لم يتعلم من الدنيا شىء إلا الميل الغريزى لإيقاع دقات القلب، وها هو الدرس الثانى الذى يتعلمه، درس النغمات، فلا شىء يناسبه فى عالمنا سوى الفن المجرد من كل «رسالة» أو «تجسيد» أو معنى مباشر، فقد استطاع الإنسان أو يلوث كل شىء فى الدنيا ما عدا الموسيقى بقيت على حالها صافية رائقة مجردة، لم يتجرأ الإنسان على المساس بها، وكأنها أقدس آيات الله وأرقاها، وطبيعى أن يميل الطهر إلى الطهر، وأن يرتاح إليه ويأنس به، ثم تردد بعد أن تستوعب الدرس جيدا «جرح لم تشفه الموسيقى هو جرح لن يندمل.. ألم الذى لم تمحه الموسيقى هو ألم مقيم. من كتابى «ابنى يعلمنى» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة