نظمت إدارة التدريب وتطوير أساليب العمل بالجامعة العربية أمس، الاثنين، محاضرة بعنوان (دور القوى الأجنبية فى أزمات العالم العربى) والتى حاضر فيها السفير السيد أمين شلبى، وأدار المحاضرة الوزير مفوض ماجد المطيرى مدير الإدارة.
وقد عرض السفير شلبى جزء من تاريخ التدخل الأجنبى فى شئون المنطقة بسبب الوضع الاستراتيجى للعالم العربى، بداية من الغزو الفرنسى عام 1889 لإحباط تجربة محمد على فى مصر والتى كانت تهدف لبناء دولة مصرية قوية وحديثة، مرورا بالتدخل الأوروبى فى المنطقة من خلال اتفاقية سايكسبيكو عام 1916، والتى أعادت رسم خريطة المنطقة بين انجلترا وفرنسا، ثم وعد بلفور عام 1917 والذى قاد إلى الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين ثم الاحتلال الإنجليزى لمصر عام 1882 والذى استمر 70 عاما.
كما تطرق السفير شلبى خلال محاضرته إلى الحرب الباردة بين القوتين العظمتين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتى فى الخمسينيات وكان الشرق الأوسط مسرحا لهذه الحرب، والذى كان مقدمة للعدوان على مصر والمنطقة عام 1967، فضلا عن غزو صدام حسين للكويت عام 1990، والذى كان المبرر الرئيسى للتدخل الأمريكى فى المنطقة ضمن تحالف شاركت فيه دولا عربية.
واستعرض الدبلوماسى المصرى ثلاث أزمات أو انهيارات كبرى- كما سماها - يعيشها العالم العربى اليوم: فى ليبيا، سوريا، وفى اليمن.
أولا الأزمة الليبية:
قال السفير السيد أمين شلبى، إن الانتفاضة الشعبية الليبية ضد نظام العقيد القذافى فى فبراير 2011، تم مواجهتها بالرد الأمنى العنيف للقذافى ضد الثوار، موضحا أن دولة رئيسية وجارة لليبيا هى مصر كانت مشغولة بأوضاعها الداخلية المتمترة ، وتداعيات ثورة 25 يناير 2011.
وأوضح السفير شلبى أن المنظمة الاقليمية (جامعة الدول العربية) والتى كانت من المفترض أن تتعامل مع هذا التطور فى ليبيا لاحتوائه ومنع تفاقمه، إلا أنها رأت أن الوضع فى ليبيا يتعدى قدراتها وأحالت الأمر إلى مجلس الأمن والذى بدوره فوض حلف الناتو للتدخل.
وألمح إلى أن المؤرخين يظلون يتجادلون حول سلامة موقف الجامعة العربية، فمنهم من يرى أن هذا الإجراء كان الوحيد الذى تملكه الجامعة العربية، وآخرون يرون إن إصرار الجامعة على هذا الإجراء كان مفتاح كل التداعيات المدمرة فى ليبيا خاصة فى ضوء ما أنتجته قوات حلف الناتو.
وأكد أن تدخل الناتو كان حاسما فى إسقاط القذافى ونظامه إلا أنه لم يفكر فى اليوم التالى وما سيترتب على غياب النظام، زكانت النتيجة العملية التى ما زالت قائمة هو صعود وسيطرة الميلشيات المدججة بالسلاح وفتح مخازن السلاح التى كان يملكها القذافى على مدار 40 عاما، حيث لم يقتصر وصول هذا الكم الهائل من السلاح إلى أيدى الميلشيات الليبية فقط، وإنما امتد الى مصر التى يجمعها 1000 ميل من الحدود مع ليبيا ومن ثم فإن أمنها القومى الأكثر تأثرا بهذا الانهيار الليبى خاصة بتدفق كميات ضخمة من السلاح الليبى إلى أيدى الجماعات المتطرفة والارهابية فى سيناء والداخل المصرى أيضا.
وأوضح السفير شلبى أنه فى نطاق تدخل الناتو وتحالفه فى ليبيا، كان الدور الأمريكى يقوم على أساس القيادة من الخلف، وهو ما مهد للانهيار الداخلى فى ليبيا وظهور تنظيم داعش الإرهابى، ولعل هذا ما استدعى مجددا الدول الأوروبية وفى مقدمتها فرنسا وإيطاليا الى التدخل فى ليبيا لمواجهة التنظيم بعد امتداد أعماله إلى الجنوب الاوروبى خاصة مع تعدد الأعمال الإرهابية فى باريس وبروكسل.
ثانيا: الأزمة السورية
قال السفير السيد شلبى، أنه فى مارس 2011 شهدت مدينة درعا السورية مظاهرات سلمية تطالب بالتغيير، وذهب بعضها للمطالبة بإسقاط النظام، إلا أن النظام السورى واجه هذه التظاهرات السلمية بشكل دموى، مؤكدا أن هذا الأسلوب كان نقطة التحول فى اتجاه الأزمة السورية وتطوراتها، وفتحت الباب لتدخل قوى سورية وخارجية متطرفة لدعم المتظاهرين السوريين، واتسع نطاق المواجهة ليشمل كافة مناطق سوريا.
ونوه السفير شلبى إلى أن النظام السورى برئاسة بشار الأسد استخدم نفس الأسلوب الذى واجه به الأسد الأب مظاهرات حماة عام 1972 بالقوة ما أدى لقتل 20 ألف سورى.
وأوضح أن رد الفعل العربى منذ بداية الأزمة جاء من خلال الجامعة العربية، وكانت الخطوة الأولى هى الزيارة التى قام بها الأمين العام السابق الدكتور نبيل العربى إلى دمشق فى سبتمبر 2011، حيث التقى الرئيس بشار الأسد وحاول اقناعة بأن ينهج نهجا سلميا فى التعامل مع الأزمة، وأن ينتبه إلى الأوضاع الإقليمية المحيطة خاصة فى مصر حيث أن نظام مبارك لم يجد إلا قبول المطالب الشعبية.
وأشار إلى أن بشار الأسد لم يستجب لنصيحة الأمين العام وتصرف على أساس أن القوى التى قامت بهذه التظاهرات هى قوى إرهابية تستهدف هدم الدولة، وأن بهذا كان بتخطيط من قوى معادية لسوريا لذلك كان مصمم على هزيمتها. وفى اجتماع وزراء الخارجية العرب فى نوفمبر 2011 تقرر تعليق عضوية سوريا فى الجامعة العربية ومنظماتها.
ووفقا لتقديرات ىمنظمات حقوقية، قتل 250 ألف سورى، ونزح وهاجر قرابية 8 ملايين سورى لدول الجوار أو دولا أجنبية تحت وقع مستوى العنف الذى تصاعد من جانب النظام وآلاته العسكرية، وقوى المعارضة المسلحة، حيث بلغت ذروة عمليات النزوح عام 2015 ومثلت قضية النزوح واللجوء أزمة كبرى للدول الأوروبية خاصة.
وأوضح أن الأزمة السورية اتخذت أبعادا اقليمية ودولية، و كان أبرز القوى الاقليمية وأكثرها تدخلا هى تركيا وإيران، حيث كان الدافع الأساسى لتركيا محاربة قوى المعارضة الكردية التى تعتبرها امتدادا للحرب الكردية فى تركيا. أما إيران فقد دعمت النظام السورى منذ البداية بالسلاح والمحاربين من قوات الحرس الثورى الإيرانى وحزب الله اللبنانى واعتبرت الأسد "خطا أحمر".
أما البعد الدولى فى الأزمة فقد تمحور بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ البداية وقفت روسيا إلى جانب النظام السورى ورئيسه ودعمته سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، وبلغ هذا الدعم ذروته بالتدخل العسكرى المباشر عام 2015، واعتبر من أهدافه الرئيسية محاربة تنظيم داعش الإرهابى. أما الإدارة الأمريكية فقد اكتفت بالمشاركة فى ضرب داعش بالضربات الجوية وبالأخص إرسال قوات ممن أسمتهم مستشارين عسكريين لتدريب قوى المعارضة المعتدلة، وإن كانت قد امتنعت عن تقديم أسلحة متقدمة لها.
ثالثا: الأزمة اليمنية
أوضح السفير السيد شلبى خلال محاضرته بالجامعة العربية، إنه على الرغم من أن الأطراف الرئيسية فى الأزمة اليمنية هى أطراف محلية وإقليمية. إلا أن القوى الأجنبية كان لها دور فى مسار الأزمة، وذلك من منطلق أن بعضها - مثل الولايات المتحدة الأمريكية - تجمعها علاقات تحالف قوى إقليمية منخرطة فى الأزمة، والبعض الأخر مثل روسيا الاتحادية تدخل فى الأزمة من منطلق مصالحها فى المنطقة ورؤيتها الأوسع لدور روسيا فى القضايا الدولية والإقليمية.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة أيدت منذ البداية التحالف الذى شُكل بقيادة المملكة العربية السعودية تحت مسمى (عاصفة الحزم) التى انطلقت ضد جماعة الحوثيين لانقلابهم على السلطة الشرعية، أما روسيا الاتحادية فقد كان موقفها متحفظا من (عاصفة الحزم) وظلت تطالب بوقف إطلاق النار للتمهيد لعملية سياسية.
وقد اتسم الموقف الروسى بالازدواجية، فهو من ناحية عرقل مشروعات قرارات فى مجلس الأمن كانت تطالب بعودة الحكومة الشرعية ومؤسساتها، كما دعمت المجلس الرئاسى الذى شكله الحوثيين.
وأوضح السفير شلبى إنه بعد فشل المشاورات التى جرت تحت إشراف المبعوث الأممى الى اليمن فى دولة الكويت والتى جمعت وفد الحكومة الشرعية وتحالف الحوثيين وعلى عبد الله صالح، عاد المبعوث الأممى فى نوفمبر 2016 الى التقدم بـ"خارطة طريق" تضم جدولا زمنيا من 14 بندا. إلا انها قوبلت بالرفض من الحكومة الشرعية والرئيس هادى على أساس أنها تطافئ الانقلابيين وإبقاء السلاح فى أيدى ميلشياتهم.
وفى نهاية محاضرته أكد السفير السيد شلبى أن هذا الواقع يملى مسؤولية خاصة على القوة الرئيسية المسئولة التى ما زالت متماسكة فى النظام العربى، وأن هذه الدول مدعوه لكى تكون "دول النواه" التى تعمل بشكل منسق ومتماسك، وأن تضع رؤية مشتركة لها مقوماتها السيساية والعسكرية والأمنية لمواجهة التحديات التى تهدد أمن وسلامة أى دولة عربية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة