أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد حبوشه

موتوا بغيظكم.. لن تنال منا أعتى المؤامرات!

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مؤكد أنه لم يخطر ببال الإرهابى "محمود شفيق وأعوانه" الذين استهدفوا مواطنين أبرياء داخل المبنى الأثرى المقدس وهم يتلون صلواتهم، أن تغريدة الفتاة الجميلة "فيرينا عماد" ذات العشرين ربيعًا: "مش صعب إنك تتولد من جديد مهما العمر مر بيك" ستكون ترنيمة ملاك سابح فى الملكوت الأعلى ينشد المحبة والسلام، والثابت أيضًا أنهم لم يعوا ما تحمله تلك الكنيسة بين جدرانها لكثير من الدلالات التاريخية والإنسانية، فهى تعتبر الكنيسة القبطية الوحيدة فى مصر التى تملكها عائلة، وعُرفت بالبطرسية لتولى عائلة "بطرس غالى باشا"، بناءها فوق ضريحه عام 1911 على نفقته الخاصة بعد اغتياله على يد "إبراهيم ناصف الوردانى فى 20 فبراير 1910" وهى واحدة من أكثر العائلات المصرية شهرة فى العصر الحديث والتى أفردت لها مكتبة الإسكندرية موسوعة خاصة بها تحمل عنوان: "العائلة البطرسية: سيرة عائلة قبطية"، تتضمن أكثر من ألف وثيقة نادرة وعشرات الصور التى تثرى ذاكرة الوطن.

 

لقد اغتالت الأيدى الآثمة وهى تخطف أرواح 27 أغلبهم من النساء فى مقتبل العمر غير المصابين من جديد تاريخ عائلة مصرية قبطية سطر أبناؤها العديد من صفحات تاريخ مصر الحديث والمعاصر، وشاركوا فى صنع العديد من الأحداث الفاصلة فى تاريخ مصر منذ الثورة العرابية، مرورًا بتوقيع اتفاقية السودان، وثورة 1919، واتفاقية 1936، ووصولاً إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ومباحثات كامب ديفيد، ووصول واحد من أبنائها إلى منصب الأمين العام للأمم المتحدة، كأول مصرى وعربى يصل إلى تلك المكانة المرموقة، وهو الدكتور بطرس بطرس غالى الذى رقد جثمانه منذ 10 أشهر مضت، فى داخل مقر الكنيسة البطرسية التى يوجد بها مدفن العائلة، والتى تقع داخل محيط الكاتدرائية المرقسية بالعباسية ويفصلها حديقة صغيرة عن مبنى الكاتدرائية.

 

يبدو منذ اللحظة الأولى أن الحادث لم يكن انتقامًا لما قبله بيوم الحكم النهائى (إعدام حبارة) فحسب، بل إنه تم التخطيط له قبل شهر على الأقل - كما قال ضياء رشوان المتخصص فى ملف الجماعات الإسلامية - وهو ما يأتى فى إطار الموجة الثالثة للإرهاب من جانب جماعة الشيطان، بعد فشلها فى استعادة شرعيتها المزعومة فى الموجة الأولى باعتصام "رابعة والنهضة"، ثم فشل الموجة الثانية على أرض سيناء بهدف كسر الإرادة المصرية، ورغم استشهاد أكثر من 1300 من أبناء الجيش والشرطة عبر مواجهة شرسة طوال السنوات الثلاثة الماضية إلا أن شبح الإرهاب فى طريقه الآن للزوال، ومن ثم الموجة الثالثة فى صورة عمليات داخل القاهرة تحديدًا، كما حدث يوم الجمعة أمام أحد المساجد فى الهرم ويوم الأحد داخل الكنيسة البطرسية، علما بأنه لدينا حوالى 3 آلاف كنسية فى جميع أنحاء الجمهورية، ومن يريد أن يفجر يمكن أن تكون كلها أهداف لها، ولو كان الإرهاب يوحى لنا بكل هذه القوة، لماذا لا يقوم كل يوم بعملية تدل على قوته؟.

الإحصاءات الدقيقة بحسب "مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرم تشير إلى انخفاض العلميات الارهابية فى عام 2016 إلى 15 عملية داخل القطاعات المدنية مقابل 99 عملية فى سيناء وحدها، وهو ما يشير إلى أن التنظيم الملعون بدعم غربى مع تركيا وقطر غير وجهته وبدأ يبحث عن صدى داخل القاهرة على وجه الخصوص -وربما نشهد عمليات قادمة، فالخطر يظل كامنا بيننا حتى عيد الميلاد المجيد وما بعده- نعم سيظل الإرهاب يتحلق من حولنا طالما أن إخوان الشيطان يسعون من خلال عملياتهم البائسة والعصية على فك ارتباط اللحمة الوطنية، بتوصيل رسالة بأنهم قادرون على هز النظام، كما حدث للنائب العام قبل يونيو الماضى، والهرم والكنسية الأحد الماضى.

 

أشرت من قبل أن أيادى خفية تستغل الظرف الاقتصادى الصعب لتعبث بأمن مصر مستغلة ملف الفتنة الطائفية بدعم (غربى - قطرى - تركي) فقد عمدت الجزيرة فى أعقاب وقوع حادث الكنيسة البطرسية نشر تقرير لمجلة فورين بوليسى الأمريكية بعنوان (هل انتهى شهر العسل بين السيسى والكنيسة؟) حيث ذهب من خلاله الباحث "يوهانس مقار" وهو بلجيكى من أصول مصرية إلى أن أقباط مصر لم يعودوا يرون فى الرئيس عبد الفتاح السيسى منقذًا لهم، مدعيًا فى الوقت ذاته أن العديد من الأقباط ينتابهم شعور الآن بأن الرئيس "أخفق فى الوفاء بوعده" الذى كان قد قطعه قبل ثلاث سنوات، بإقرار المساواة فى المجتمع المصرى.

وعلى عكس رؤية كاتب التقرير القاصرة، اتسمت ردود الفعل الأولى أمام الكنيسة، والدماء لا تزال ساخنة داخل المحراب بالوطنية الصادقة، كما جاء على لسان أهالى الشهداء، فى صورة تأكيدات قوية على أن مصر هى المستهدفة أولاً، ولقد قالها البابا تواضروس الثانى واضحة: "هتحرق الكنيسة؟ هنصلى فى الجوامع.. هتحرق الجوامع؟ هنصلى فى الكنايس.. هتحرق الاتنين؟ هنصلى فى الشارع مع بعض ووسط بعض أصل إحنا مصريين"، وفى عبارة بليغة قال مغردًا "مسلم + مسيحى = مصر"، وهو ما يدحض مزاعم "مقار" التى تشير إلى أن موجة الاحتجاجات تصاعدت وسط الطائفة المسيحية فى الشهور الأخيرة إلى درجة غير مسبوقة، فى مؤشر على حالة الاستياء، مضيفًا أيضًا: إن الأقباط - الذين كانوا يُنظر إليهم من قبل على أنهم سند للنظام - باتوا الآن يشكلون "تحديًا متعاظمًا" لحكومة القاهرة.

وتمضى ادعاءات "مقار" إلى القول إن مساعى المصالحة وسيلة تحبذها السلطات لحل النزاعات بين الطوائف، لكنها لم تحقق الكثير فى رفع الظلم، ذلك لأنها تتيح للمتورطين فى أعمال العنف الإفلات من العقاب، ويظل مقار ينفث سمومه التى تحاول النيل من تعاظم دور مسيحى مصرى وانحيازهم للأرض والسيسى كرمز للوطنية المصرية، وهنا أذكر مقار بتقرير سابق لـ"فورين بوليسي" نفسها تقول فيه: بدأ المصريون اليوم يشعرون بوطأة الضغوط، وذلك من خلال بطء النمو الاقتصادى وتراجع الاحتياط من العملة الصعبة، وارتفاع التضخم ونسب البطالة التى لا تزال فى تزايد مستمر، وارتفعت الشكوى من الأوضاع بطريقة علنية أكثر من أى وقت مضى، ورغم كل هذا فلا شهية للمصريين للمشاركة فى ثورة شعبية جديدة، فتجربة الخمس سنوات الماضية جعلت الكثيرين منهم يترددون من المخاطرة، خاصة فى ظل غياب البديل عن السيسى، ويشعرون أن انتفاضة أخرى قد تؤدى لاشعال حالة من عدم الاستقرار الواسعة، وهناك عامل آخر يجعل المصريين أكثر حذرًا، هو ما حدث للربيع العربى والفوضى التى خلفها فى دول أخرى، ويشير المصريون إلى إنهيار دول مثل اليمن وسوريا وليبيا والعراق وهو ما يجعلهم يفضلون الوضع القائم على الفوضى.

إذن دعونا على وضعنا القائم واذهبوا فى غيكم نحو النضال سابق الدفع بالدولار.. مصر لن تنحنى أو تركع بمسيحيها ومسلميها، والإرهاب مهما كان بأسه لم يفنى شعبا أو يخرج أمة من التاريخ من قبل، خاصة فى الحالة المصرية التى يتكاتف فيها الشعب مع الجيش والشرطة، برعاية حانية من جانب رأس الدولة.. موتوا بغيظم لن نعود إلى الوراء ولن تنال منا أعتى المؤامرات.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة