لا يمر عام إلا ونجد أنفسنا أمام الخلاف نفسه، وحالة الجدل والفتاوى الغريبة والمستهجنة من قطاعات واسعة من المواطنين والمتخصصين ورجال الدين، فما بين الحلال والحرام، والمقبول والمرفوض، لا يتوقف السلفيون على ميزان كل الأمور، حتى ما يكتسب منها قيمة روحية وحضورًا إنسانيًّا مبهجًا ضمن قاموس احتفالات المصريين وعاداتهم، وأبرز مناطق الخلاف السنوية الدائمة، الحديث عن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، الذى يشهد هذا العام جدلاً وخلافًا كبيرين بين السلفيين بآرائهم وفتاواهم المتشدّدة، والأزهريين باعتدالهم ورؤيتهم الوسطية للأمور، وبينما يعتمد السلفيون فى تحريمهم للاحتفال بالمولد المبوى على 4 أسانيد أساسية، يعتمد الأزهر على أسانيد أخرى تدحض تحريم السلفيين لتلك الاحتفالات.
أسانيد السلفيين فى تحريم المولد النبوى
فى سياق الحديث عن تحريم السلفيين للاحتفال بالمولد النبوى الشريف، اعتمد ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، فى تحريمه لاحتفالات المولد النبوى، على أن الاحتفال أحد المحدثات التى لم تتم فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، لذلك وصف الاحتفال بـ"البدعة"، مرجعًا اعتباره احتفالات المولد النبوى بدعة إلى أن مظاهر الاحتفال ظهرت أثناء الدولة الفاطمية، وأن دواوين الإسلام كلها تخلو من الاحتفال بميلاد النبى.
فى السياق ذاته تأتى فتوى الشيخ أبو إسحاق الحوينى، الداعية السلفى، بتحريم الاحتفال بالمولد النبوى الرشيف، مستشهدًا فيها بحديث النبى صلى الله عليه وسلم الذى يقول فيه: "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"، ويستشهد "الحوينى" بفتوى بعض الدعاة السلفيين والوهابيين، وعلى رأسهم المفتى السعودى "ابن باز"، الذى قال إنه طالما لم يحدث الاحتفال فى عهد الرسول أو الصحابة فإنه بدعة محرمة لا يجوز الاحتفال بها.
ضمن أسانيد السلفيين أيضًا، يعتمد الشيخ محمود لطفى عامر، الداعية السلفى، على أن الإسلام لم يذكر عيدًا للمسلمين سوى عيدى الفطر والأضحى، معتمدًا على تفسير النصوص فى القرآن والسنة، بعدما علق على تحريمه الاحتفال بالقول إن الأعياد من شعائر الإسلام، ولا شعيرة إلا بنص، ومن ثمّ لا عيد ولا احتفال باسم الإسلام إلا فى عيدين اثنين لا ثالث لهما، هما عيد الفطر وعيد الأضحى، وأى عيد باسم الدين غير الفطر والأضحى من البدع المنكرة.
الداعية السلفى سامح عبد الحميد، أثار أيضًا مسألة التحريم بقوله إن هناك خلافًا فى الأصل حول موعد ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك كثير من كتب السيرة النبوية تشهد اختلافًا حول ميلاد الرسول، متابعًا: "سنجد أن كتَّاب السيرة يختلفون حول ميلاده صلى الله عليه وسلم، إلى أقوال هى كما يلى: يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول، وثامن ربيع الأول، وعاشر ربيع الأول، وثانى عشر ربيع الأول، وقال الزبير بن بكار ولد فى رمضان".
الأزهر يرد على أسانيد السلفيين وفتاواهم المتشددة
على الجانب المقابل، وفى إطار رد الأزهر على آراء السلفيين وفتاواهم المتشددة، يرد الشيخ أحمد البهى، الداعية الأزهرى، على أسانيد السلفيين فى تحريم المولد النبوى، قائلا: "البدعة فى الإسلام قسمها علماء كثيرون، وعلى رأسهم الإمام الشافعى رحمه الله، إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، ووجعلها بعضهم خمسة أقسام: واجبة ومستحبة وجائزة ومكروهة وحرام، فقبل أن نصف الأمر بالبدعة لا بدّ من تحديد أى أنواع البدع هو؟ فنحن نحتفل ونقول إنه بدعة حسنة، ومجرد الاحتجاج بأن الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته لم يقوموا بسنِّ مثل هذا الاحتفال، ولهذا فهو مخالف للشرع، قول باطل ولا يقول به أحدٌ من العلماء، فعند الأصوليين: ترك الفعل ليس دليلاً على المنع، وذكر الأصوليون والحكم يدل عليه قرآن أو سنة أو إجماع أو قياس، والترك ليس واحدًا منها، فلا يكون هذا دليلاً".
وأضاف "البهى" فى ردّه: "الترك كان لعدم وجود المقتضى، لعدم حاجة الصحابة لمناسبات تذكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعيش فى أرواحهم وأمام أنظارهم فى حياته وبعد انتقاله، وادِّعاء أن العبيديين هم أول من أحدثوا عمل الموالد، هو ادِّعاء ساذج، فهذه مسألة تاريخية بحتة وعليها خلاف أصلا، فلا يُعقل الاستدلال بها، ومع افتراض صحة هذا الادِّعاء فليس هذا مبرّرًا للمنع أو التحريم، لأننا ننظر إلى جوهر ومضمون المسألة لا إلى تفاصيلها، ونقبل الخير من أى أحد ما دام لا يتعارض مع كتاب أو سنة أو إجماع، بل إن الأعجب من ذلك أن أبا هريرة رضى الله عنه قد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم، كما جاء فى صحيح البخارى، أن الشيطان لما تعرَّض له فى بيته قال له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى من أولها حتى تختم {الله لا إله إلا هو الحى القيوم} وقال: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟) . قال: لا، قال: (ذاك شيطان)".
واستطرد الداعية السلفى أحمد البهى: "تعلم الناس هذه الفائدة وواظبوا عليها ولم يعبأوا بأن الشيطان هو الذى دلهم على هذا، وهذا دليلٌ وأصلٌ فى تفنيد هذا الادِّعاء الواهى من السلفيين، وأوهى مما سبق أن يستدل أحد على تحريم الاحتفال بمولد الرسول بقوله إن الأعياد فى الإسلام عيدان فقط، هذا الكلام كان من النبى صلى الله عليه وسلم ليخبر الصحابة أن الله قد استبدل أعياد الجاهلية بعيدين فى الإسلام هما الفطر والأضحى، ولكن ما قولهم فى اتفاق الناس على أن يوم الجمعة عيد أسبوعى للمسلمين؟ ثم ما القول لو أطلق الناس على أيام احتفالاتهم مسميات أخرى غير مسمى العيد؟ مع العلم أننا لا نطلق على ذكرى المولد مسمى العيد، فالناس لم يتعودوا هذا المصطلح، وقد جاءت مقولات كثيرة عن العلماء والمؤرخين، دلَّت على أن جماهير المسلمين من العلماء والعوام كانوا يحتفون ويحتفلون بذكرى ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم".
عضو "البحوث الإسلامية": عدم وجود نص على الاحتفال لا يعنى أنه حرام
بدوره، قال الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن عدم وجود نص على احتفال المولد النبوى لا يعنى أنه حرام، موضّحًا أن الاعتماد على النصوص فقط يؤدى إلى أخطاء، وفى الوقت ذاته لا يوجد فى الحديث أو القرآن ما يحرم الاحتفال.
وأضاف عضو مجمع البحوث الإسلامية ردًّا على دعوات تحريم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، إن احتفالات مولد النبى لا تتخللها مشاهد تتنافى مع الإسلام، وهو ما لا يدعو لتحريمها.