استمرارا لدور مراكز الدراسات المصرية فى التشاور مع الحقوقيين والاقتصاديين والأكاديميين الفلسطينيين من أبناء قطاع غزة لبحث المشكلات التى يتعرض لها القطاع، بدأت اليوم الاثنين فى مدينة العين السخنة ورش عمل ينظمها المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط تحت عنوان "العمل حول التفاعل الإيجابي بين قطاعات المجتمع المصري والفلسطينى.. آفاق فلسطينية ورؤى مصرية".
وافتتح الدكتور أحمد الشربينى، مدير المركز ورشة العمل بكلمة أكد فيها أن عقد هذه الورشة يأتى وفاءً لعهد قطعه المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط بأن تظل القضية الفلسطينية محورا أساسيا وممتدا لاهتماماته البحثية والأكاديمية، مستهدفين من ذلك بناء أجندة وطنية عربية مشتركة تضع الرؤى وتطرح الحلول الكفيلة لمواجهة التحديات والمتغيرات الراهنة في منطقتنا، والتى لم تعد تمس الدولة العربية فحسب، وإنما طالت المجتمعات، وأثرت فى تماسكها الداخلي.
وقال إن المواطن الفلسطينى بات يعانى صعوبات كبيرة فى تأمين احتياجاته المعيشية اليومية، فى ظل تصاعد مطرد لمعدلات الفقر والبطالة، وغلاء الأسعار، وتردى الخدمات الصحية والتعليمية، بل إن القطاع الخاص الفلسطينى صار يواجه هو الآخر عراقيل فى استمرار أنشطته ومصانعه وشركاته، أو حتى الإسهام فى إعادة إعمار ما دمرته الآلة العسكرية الإسرائيلية من مبان ومرافق تحتية".
وأضاف: "ويزداد هذا الوضع خطورة بالنظر إلى تراجع المساعدات الدولية للفلسطينيين، وعدم وفاء المانحين الدوليين بكامل التزاماتهم، بل إن الدعم المالى الإقليمى أصبح هو الأخر منخفضا، فى ضوء ما تشهده الاقتصادات العربية من أزمات وتباطؤ لمعدلات النمو الاقتصادي وتناقص الايرادات خلال السنوات الأخيرة".
وأوضح أنه إدراكا من المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط لهذه المخاطر الإنسانية والاقتصادية التي يواجهها الفلسطينيون، يأتي تنظيم هذه الورشة التي تستهدف بالأساس مناقشة دور القوى والمؤسسات الفاعلة في المجتمع المدني الفلسطيني في مواجهة التحديات الإنسانية والاقتصادية، فضلا عن محاولة تلمس السبل الكفيلة بكيفية تفعيل هذه المؤسسات الاجتماعية في المحافل الدولية، وما ذلك الأمر إلا محاولة لاستنهاض القوة الذاتية الفلسطينية التي كانت - وما تزال - الرافعة الأساسية لقضية هذا الشعب وحقوقه المشروعة.
وتابع: "بل إن الورشة تناقش أيضا مدى إمكانية توظيف التفاعلات الايجابية التاريخية بين المجتمعين المصري والفلسطيني، فى طرح رؤى وحلول إنسانية واقتصادية مشتركة لتخفيف معاناة المواطن الفلسطينى، عبر تعزيز العلاقات التجارية، وتفعيل التعاون المشترك بين رجال الأعمال في البلدين".
وأشار إلى أن الرهان على قوى المجتمع المدنى الفلسطيني، بمختلف شرائحه من مرأة وعشائر وشباب ورجال أعمال وإعلام للخروج من الأزمات المعيشية والاقتصادية يستدعي بالأساس لملمة الجهود، وتوجيهها صوب رؤى بديلة تكون أكثر فاعلية في بناء حلول اقتصادية للأزمات الفلسطينية ومن هنا تأتي ضرورة تفعيل أدوار مؤسسات المجتمع المدني في بناء توافق داخلي يتجاوز الاستقطابات الداخلية التى بدا الخاسر الأكبر فيها هو المواطن الفلسطينى.
وقال: "من ينظر للتاريخ الفلسطينى، سيجد فيه الكثير من العبر والدروس عن أدوار المجتمع المدني فى بناء اللحمة الداخلية الوطنية.. فقد استطاعت الأسر الفلسطينية بناء رأس مال اجتماعى شكل ظهيرا اقتصاديا ومعيشيا يعينهم على مواجهة التحديات... كما أعلى رجال الأعمال الوطنيين من مسئوليتهم الاجتماعية تجاه القضية الفلسطينية.. واستطاعت العشائر بتوحدها أن تشكل بيئة آمنة حافظت على تماسك الكيان الاجتماعى".
وتناقش ورشة العمل التى تستمر ثلاثة ايام في يومها الأول جلسة عمل حول دور مؤسسات المجتمع المدني في الواقع الاقتصادى الفلسطيني برئاسة المستشار عدلي حسين رئيس محكمة استئناف القاهرة ومحافظ المنوفية والقليوبية الأسبق ورئيس لجنة الشراكة الأورومتوسطية، ويتحدث فيها من الجانب الفلسطيني محسن أبورمضان وأمل صيام ويعقب من الجانب المصرى الدكتور حسن سلامة استاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
كما تناقش فى جلسة أخرى محورا حول الواقع الاقتصادي الفلسطيني وكيفية إيجاد آليات للتعاون المشترك وتترأسها أعمالها الدكتورة عالية المهدى أستاذة الاقتصاد وعميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سابقا، ويتحدث من الجانب الفلسطيني ماهر الطباع ويعقب من الجانب المصري الدكتور فخري الفقى أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة.
كما تناقش محورا حول رؤية لتطوير وتنمية الاقتصاد الفلسطيني ويتحدث من الجانب الفلسطيني فيصل الشوا، ويعقب من الجانب المصري الدكتور فخري الفقي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة.
كما تناقش محورا حول دور العشائر الفلسطينية في المصالحة المجتمعية برئاسة الدكتور أحمد زايد عميد كلية الآداب جامعة القاهرة سابقا، ويتحدث فيها من الجانب الفلسطينى عطا ماضي وصلاح الدين أبوركبة، ويعقب من الجانب المصري الدكتور سعيدالمصري استاذ علم الاجتماع السياسي بكلية الآداب جامعة القاهرة.
بدورهم كشف المشاركون من رجال الأعمال والاقتصاد الفلسطينيين عن المعاناة والظروف المعيشية الصعبة التى يواجهها أبناء قطاع غزة، مشيرين إلى الوضع الكارثى فى كافة القطاعات فى غزة مع تراجع الصناعات والعمالة المهنية الماهرة التى هجرت القطاع وباتت غير متواجدة فى غزة، مؤكدين أن الوضع فى قطاع غزة صعب جدا فى ظل الظروف الراهنة، فالمواطنون البسطاء يعانون كثيرا وسط الحصار الخانق الذى تفرضه إسرائيل.
وأكد المشاركون أن مصر تعد بوابة هامة للتبادل الاقتصادى فى ظل حاجة القطاع لعدد من التنقنيات على المستوي الزراعى لتسهيل عملية زراعة الأراضى في ظل نقص المعلومات والتمويل للتنمية وضعف الاستثمار الزراعى، مشيرين إلى غياب السياسات بين الضفة وقطاع غزة والقيود الشائكة المفروضة على العديد من القطاع ومنها ممارسة الصيد.
ودعوا لتبادل تجارى كبير بين مصر وقطاع غزة للتخفيف عن أهالى القطاع وتلبية احتياجاتهم وهو ما سينعكس ايجابا على الاقتصاد المصرى، مشيرين لمعاناة أهالى قطاع غزة فى ظل انقطاع الكهرباء ويحتاج أهل غزة من مصر المساعدة فى رفع قدرات شبكة الكهرباء المتهالكة موضحين أن الأمراض المزمنة تفشت بين أبناء القطاع بسبب المياه غير الصالحة للشرب واختلاطها بالصرف الصحي.
وحول الشباب الفلسطينى، أوضح المشاركون أن عددا كبيرا من أبناء غزة يعانون من البطالة فى ظل تخريج 18 ألف خريج فلسطينى من الجامعات سنويا فى ظل عدم وجود فرص متاحة للتشغيل مع التدهور فى القطاع الزراعي والسياحي والخاص، إضافة للمضايقات التى يقوم بها الإحتلال الإسرائيلى على رجال الأعمال الذين يتعرضون لمضايقات لعديدة على رأسها الاعتقالات وتجميد الأموال.
وطرحوا عددا من الأفكار والتوصيات لمساعدة غزة فى الخروج من أزمتها الإقتصادية وذلك عبر تطوير البنية التحتية، إضافة لمطالبات بفتح ميناء ومطار العريش للاستيراد والتصدير لأهل قطاع غزة، إضافة لفتح موانىء في مصر للبضائع الصادرة والواردة لغزة، مؤكدين أن مصر بوابة فلسطين إلى العالم الخارجى، داعين رجال الاقتصاد والأعمال المصريين للاستثمار المشترك في مشاريع في قطاع غزة.
فيما طرح المشاركين فى ورشة المصالحة المجتمعية، مجموعة من التوصيات خلال ورشة عمل حول دور العشائر فى المصالحة المجتمعية منها تشكيل اللجنة الوطنية العليا للمصالحة المجتمعية، اللجنة الإعلامية ودورها نشر ثقافة التسامح والمحبة لفض الخصومات من خلال اللجنة الدينية التابعة لشئون العشائر، وتشكيل اللجنة المالية ودورها الإشراف على عمليات صرف مستحقات المتضررين، تشكيل لجان شبابية ونسائية للتواصل مع كافة شرائح المجتمع الفلسطينى.
ومن توصيات المشاركون أيضا مطالبة جامعة الدول العربية بالعمل على ايجاد صندوق خاص بالتعوضات للمتضررين، تسجيل المصابين فى مؤسسة الجريح التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وإصدار قرار رئاسى بالعفو التام عن جميع من ارتكبوا جرائم خلال فترة الإنقسام، التأكيد على قرار المؤتمر الشعبى للعشائر بانهاء الانقسام.
وفي اليوم الثانى للورشة تناقش فى جلسة يترأسها المستشار عدلي حسين رئيس محكمة استئناف القاهرة ومحافظ المنوفية والقليوبية الأسبق، ورئيس لجنة الشراكة الأورومتوسطية محورا، حول آليات تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني ويتحدث فيها من الجانب الفلسطيني نادية أبونحل وعلاء الغلاييني ويعقب من الجانب المصري الدكتورة أماني قنديل المدير التنفيذي للشبكة العربية للجمعيات الأهلية سابقا، كما تناقش محورا آخر حول دعم مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني فى المحافل الدولية ويتحدث فيها من الجانب الفلسطيني أمجد الشوا وصلاح عبد العاطي ويعقب من الجانب المصري السفير سيد أبو زيد مساعد وزير الخارجية الأسبق.
وفي جلسة أخرى يترأسها سلطان أبوعلي وزير الاقتصاد السابق، تناقش الورشة محورا تحت عنوان نحو تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين المصري والفلسطينى، ويتحدث من الجانب الفلسطيني حليم حلبي ويعقب من الجانب المصري السفير جمال بيومي الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، كما تناقش محورا حول دور رجال الاعمال في دفع التعاون الاقتصادي بين الجانبين ويتحدث من الجانب الفلسطينى اسامة كحيل ويعقب من الجانب المصري السفير جمال بيومى.
كما تناقشوا محورا حول دور الاعلام فى المصالحة المجتمعية في جلسة يترأسها الدكتور محمود علم الدين عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق، ويتحدث من الجانب الفلسطيني سعود أبورمضان ومحمد عثمان ويعقب من الجانب المصري ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامي.
وأكدوا الاقتصاد الفلسطيني من الاقتصاديات الناهضة التى لها فرص كبيرة في ظل وجود تحديات ومعوقات كبيرة، موضحين أن الانقسام السياسى يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطينى الذى يسعى للنهوض فى ظل وجود بطالة قسرية، مشيرا إلى أن الكيان الإسرائيلي يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطينى بسبب الهيمنة والمنع، موضحا أن معوقات سياسية وخارجية وداخلية تؤثر علي الاقتصاد فى قطاع غزة.
وأوضح المتحدثون أن المتدربين من أبناء قطاع غزة يحتاجون لمكان لاستيراد المواد الخام وآخر للتصدير، موضحين أن اتفاقية أوسلو انتهت لكنها تفرض على الفلسطينيين قيودا اقتصادية.
ودعا المتحدثون المؤسسة الأهلية الفلسطينية للمشاركة فى فعاليات خارج القطاع والعمل على إجراء حوار جدى يتم البناء عليه لحل الأزمات، مؤكدين أن منظمات المجتمع المدنى تعانى من أزمات متتابعة منذ ثمانينيات القرن الماضى.
وأشاروا إلى ازدياد معدلات الإدمان من قبل الشباب الفلسطينى، لاسيما تعاطى الترامادول، مؤكدين أن الأنفاق أدخلت المخدرات التى يعانى منها الشعب الفلسطيني إلى اليوم وهي شكل من أشكال الهروب بسبب الواقع الذى يعيشه، مشددين على أن فلسطين هى جزء من العالم العربى ولا يمكنها تحقيق أى تقدم إلا بالسند العربى لاسيما مصر.
وأكد المشاركون على حاجة أهل غزة لكل ما ينتج في مصر ليكون بديلا للمنتجات الإسرائيلية، مشيرين إلى أن إسرائيل تمنع 2000 سلعة من دخول قطاع غزة لتدمير الاقتصاد وإبقاء تبعية الاقتصاد الفلسطيني للإسرائيلى، موضحا أن مصر تعد رئة أساسية لقطاع غزة
ودعوا على العمل على مشاكل غزة الاقتصادية وعدم التخلى عن النضال السياسي مع إسرائيل والتحرر من التبعية إلى تل أبيب، داعين للاهتمام بالقطاع وتحسين الوضع الإنسانى والنفسى لأهل القطاع، وذلك عبر البدء فى إجراءات بناء الثقة بين مصر وقطاع غزة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة