سيبقى الأزهر أحد حصون هذه الأمة ضد كل المغالين والمتطرفين، وسيبقى هو المرجعية التى يأوى إليها الناس بحثا عن الفكر الوسطى، وسيبقى الأزهر جامعا وجامعة هو حصن المسلمين وقلعة الإسلام، يواجه الموتورين والباحثين عن الشهرة، وهم الذين ابتليت بهم مصر، بعد ثورة 25 يناير عندما اختلط الحابل بالنابل، وراح كل من فى قلبه مرض يتطاول على الإسلام وثوابته وعلى الأزهر وقيمه.
ولأن المؤامرات لا تتوقف ضد مصر سواء من الخارج الذى يرى فى الأزهر رمزا لوحدة المسلمين وتماسكهم، وأن ضرب قوة المسلمين لابد وأن يكون فى عقيدتهم، فكان أن وجهوا سهامهم إلى الأزهر لأن تقويض دور الأزهر وإضعاف هيبته الروحية لدى الناس سيؤدى إلى أن يجد "يتامى وأرامل" الخارج دورا يلعبون فيه ويعبثون بعقيدة الناس.. ورغم ذلك ظل الأزهر صامدا أمام كل هذه المؤامرات والتيارات الفاسدة فى دور متعاظم على كافة المستويات العقائدية والفكرية والوطنية، وهو الدور العظيم الذى لا يتسع المجال لسرد المواقف الوطنية للأزهر وخاصة فى سبيل الحفاظ على وحدة الوطن وتماسكه.
الأزهر الشريف له أيضا دور فاعل ومستحق فى تعزيز وشائج الأخوة الإسلامية الحقيقية، لا المتوهمة والمفتراة، وفى تقوية التعاون العلمى والفكرى والثقافى بين المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، وفى نشر حقائق الدين والرد على أباطيل دعاة التفرقة الذين يتاجرون باسم الدين، خصوصاً فى هذه المرحلة التى ينشط فيها تجار المشروعات الطائفية المقيتة التى تضعف فى الأمة مناعتها وقدرتها على المواجهة، وتمزق وحدتها. ولذلك، فإن من أول الواجبات على دول العالم الإسلامى وقياداته وعلمائه ومؤسساته الثقافية والتربوية والإعلامية، دعم جهود الأزهر الشريف ومساندة رسالته السمحة، ليبقى دائماً حصناً منيعاً من حصون الأمة الإسلامية، يصد عن دينها وهويتها وسلامة كيانها هجمات المبطلين ودسائس الكائدين، وينشر رسالة الإسلام السمحة فى الآفاق تهدى العقول والنفوس إلى الصراط المستقيم، وإلى ما فيه الخير والصلاح .
وعندما أدرك الإخوان السلطة فى مصر وقفزوا عليها فى لحظة تاريخية هى الأسوأ فى التاريخ الوطنى، هجموا على الأزهر وحاولوا أن يمتطوه مطية لأفكارهم وخططهم المشئومة، ليتحقق لهم إضعاف الأزهر الشريف وتقليص دوره، وجعله يسير فى ركاب مخططاتهم بعد أن حاولوا أخونته، ولكن الأزهر الشريف وقف عصيا على كل الخونة والمتآمرين، ووقف الأزهر فى خندق الشعب المصرى حتى تحقق هدفه العظيم بإزاحة هؤلاء الخونة من فوق صدر الوطن، ونجت مصر ونجا الأزهر مما كانوا يخططون له فى ليل دامس وبهيم.
وبعد ثورة مصر العظيمة فى 30 يونيو 2013 وقف الرئيس عبد الفتاح السيسى مخاطبا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر بحضور علماء ومشايخ الأزهر والأوقاف، وأمام الشعب المصرى والمسلمين قاطبة بضرورة إحداث ثورة فكرية فى تجديد الخطاب الدينى، حتى أطلق الرئيس عبارته الشهيرة لشيخ الأزهر وهو يطرح مبادرته "سأحاججكم به أمام الله يوم القيامة"..وهو إدراك الرئيس بقيمة الأزهر ومكانته العظمى فى قلوب المسلمين فى مصر والعالم.. وهو فى ذات الوقت تجديد لدعم الدولة للأزهر فى مواجهة كل عناصر الفتنة والتطرف الذين يحاولون إحداث حالة من البلبلة داخل الوطن وهدم ثوابته.
وفوجئنا خلال الأيام الماضية بشخص وصفه أساتذة الطب النفسى بـ"المجنون" وأن مكانه الطبيعى هو مستشفى الأمراض العقلية، والذى يدعى محمد عبد الله نصر والشهير بـ"ميزو" عندما تجرأ فى وقاحة لا نظير لها ولا حدود عندما قال "أنه المهدى المنتظر ويطالب 6 مليارات مسلم حول العالم بمبايعته".. وهنا أؤكد أن وصفه بالمجنون هو وصف غير حقيقى وخادع لأن أمثال هؤلاء الناس الشاذة أفكارهم يدركون ما يقولون، ولكن وصف "المجرم" الذى لابد من محاكمته هو الوصف الأقرب لنا كرجال قانون، حتى يكون عبرة لكل من يحاول الطعن فى الثوابت الإسلامية، وهذا "الميزو" هو الذى سبق ووصف صحيح البخارى "بالفضيحة".. مما يقطع لدينا بأنه دور متواصل وممنهج فى الطعن فى الثوابت، وأيضا فى الأزهر.
وهنا نتساءل: لماذا يصمت الأزهر الشريف على سفاهات هذا "الميزو".. لماذا لم يتخذ الأزهر ضده كافة الإجراءات القانونية لمعاقبته وسجنه درأ للمجتمع وحماية من أفكاره الشاذة الغريبة، خاصة أنها لا تتصل بالرأى أو الفكر ولكنها جريمة فى حق الدين والمجتمع.
كان الأزهر الشريف قد اتخذ قرارا فى حالة المدعو إسلام بحيرى بعد أن طالبنا فضيلة شيخ الأزهر بتكليف مستشاره القانونى الادعاء باسم الأزهر لمقاضاة إسلام بحيرى الذى أطلق عنان أفكاره وطعن فى الثوابت الإسلامية ومنها وصف الأئمة الأربعة بأوصاف تمثل جريمة، فلم يخجل مثلا فى لحظة من اللحظات فى أن يصف الإمام أحمد بن حنبل بـ"حمادة" وكذلك لم يجد حرجا فى أن يصرح على الملأ بأنه هدم علم الحديث، وغير ذلك من الموبقات التى ارتكبها ظنا منه أنه لن يجرؤ أحد على محاسبته، فكان قرار الأزهر الشريف – المحمود – بشكوى "بحيرى" والمطالبة بمحاكمته، وكان قضاء مصر العظيم كعادته منصفا للحق ومحققا وجه العدالة عندما قضى عدلا بحبسه على جريمته.. فهل يحتاج الأزهر إلى تنبيه فى كل مرة يخرج فيها بحيرى وأمثاله ليحققوا فينا خبث أفكارهم وأمراضهم؟؟
ولكن هنا يثور لدينا الأسئلة الكبرى بعد أن أفرج عن إسلام بحيرى فى القائمة الأولى للجنة العفو عن الشباب المحبوسين: هل يدرك "بحيرى" أن الجريمة التى ارتكبها مازالت متحققة فى ذمته لأن العفو ليس عفوا شاملا؟ وهل يتابع الأزهر الشريف تصريحاته بعد الإفراج عنه وهو يؤكد أنه عائد لارتكاب نفس الجريمة بل أشد منها، عندما قال فى تصريحات تليفزيونية "أن ما قاله فى السابق هو أهون مما سيقوله مستقبلا " ..فهل هو يحتمى فى العفو الرئاسى ولن يجد من يقف أمامه ويحاسبه؟ ..وهل أفرج عنه ليتحول إلى قوة كبيرة فيقول فى تصريحات صحفية " أقول لمن سجنني.. لقد صنعت منى بطلا أسطوريا"، إلى هذه الدرجة أعطيناه القوة ليخرج علينا مرة أخرى ويلقى علينا بوابل من السفاهات تدخل بيوتنا، وتخترق عقول أبنائنا؟.. وماذا يقصد بمن سجنوه هل هو الازهر الشريف أم قضاء مصر النزيه، أم الشعب المصرى الذى رفض شذوذ أفكاره..؟؟
ليست دعوتنا دعوة للحبس، ولكنها دعوة لدرأ الفتنة والرد على المشككين فى الثوابت الدينية، التى تمثل إكسير الحياة لدى المسلمين قاطبة، وتمثل أيضا أشياء أخرى عظيمة يجب على الأزهر حامى الإسلام وقلعته التصدى لهم بحزم وحسم .. وعلى الله قصد السبيل.