يبدو أن التوافق المجتمعى على حتمية إنشاء نقابة للإعلاميين بات مهددا بالانقسام، وهو ما يشير إلى إمكانية تراجع مجلس النواب عن المضى قدما نحو إصدار القانون بعد أن شهد اجتماع لجنة الثقافة والإعلام خلافات واسعة حول عدد من الأمور الأولية فى مشروع القانون وهى المتعلقة بالتعريفات والمهن المسموح لها الانضمام لعضوية النقابة..
وكان المركز الوطنى للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام والذى شرفت برئاسته قد طالب كثيرا بضرورة ضبط الأداء الإعلامى فى مصر، بإصدار التشريعات اللازمة وفى مقدمتها إنشاء نقابة الإعلاميين وقبل إصدار التشريعات الإعلامية الجديدة، وقبل إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وذلك لأننا ارتأينا أن إنشاء هذه النقابة - التى تأخرت كثيرا - أدى لاختلاط الأمور وعدم وضوح الخطوط الفاصلة بين حقوق الإعلامى والتزاماته تجاه قناته وتجاه المجتمع ..
والمشكلة بدأت منذ عام 2001 عندما دخلت مصر عصر القنوات الفضائية الخاصة دون وجود مرجعية قانونية لحقوق العاملين فى هذه القنوات الذى تزايدت بشكل كبير، وهو ما جعل الإعلاميين أسرى لملاك القنوات الفضائية، ونعلم جميعا أن المال فى هذا الأمر هو الذى ينتصر، إلا من بعض الشروط الذى وضعتها الجهة المنوطة بالموافقة على إنشاء القنوات الفضائية والقوانين ذات الصلة غير المباشرة مثل قانون العمل وأهمها تعيين بعض العاملين عند إنشاء هذه القنوات، وكل الذين كانت لهم تجارب فى هذا المجال يعرفون كيف يتهرب ملاك هذه القنوات من هذا الشرط وهو "التعيين الصورى"، دون وجود جهة تحميهم وتدافع عنهم، وتعاقبهم أيضا ..
وأدى هذا الاختلاط بسبب إقدامنا على هذا العصر الفضائى دون ضوابط محددة وقوانين واضحة إلى التفرقة بين الإعلاميين العاملين فى مجال واحد، فالعاملين فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون تحكمهم قوانين العاملين فى الحكومة وهو ما أدى إلى أن أصبح الإعلامى فى هذا القطاع الخطير والمهم مجرد "موظف"، والعاملون فى القنوات الخاصة لا يحكمهم قانون وهو ما أدى فى بعض الأحيان إلى حالة من العشوائية، الأمر الذى حدا بالبعض إلى القول أن الإعلاميين فى القنوات الفضائية الخاصة "عرايا" من الحماية، والبعض الآخر وصفهم بالعشوائية التى لا تجمح بعض المنفلتين ..
وتعجبت كثيرا من مطالبة بعض النواب فى لجنة الثقافة والإعلام بمناقشة إمكانية انضمام الإعلاميين إلى نقابة الصحفيين فى الوقت الذى حسمته نقابة الصحفيين ذاتها فى جمعيتها العمومية عام 1995 برفض انضمام الإعلاميين إلى نقابة الصحفيين، وأن مناقشة هذا الأمر فى هذا التوقيت سيخلق معركة جانبية ليس لها فائدة بين الإعلاميين ونقابة الصحفيين، وأن هذه المعركة تعنى أننا نصدر للمجتمع أزمات جديدة تزيد الموقف تعقيدا دون فائدة حقيقية سواء على الصحفيين أو الإعلاميين أو المجتمع.
لا شك أن خلافات أعضاء مجلس النواب قد يضر بمشروع القانون، وأن الخلاف حول الفئات المسموح لها بالانضمام إلى هذه النقابة - التى أحدثت الخلاف داخل لجنة الثقافة والإعلام - هم بالفعل أعضاء فى نقابات أخرى مثل المصورين والفنيين وغيرهم من الأعمال الفنية، فهم بالفعل أعضاء فى نقابات أخرى مثل نقابة المهندسين والتطبيقيين والسينمائيين.. وغيرها، وهذه النقابات تدعمهم وتدافع عن مصالحهم وتقدم لهم خدماتها النقابية والاجتماعية، وأن الوقوف أمام موقف هذه الحالات يضر بالمشروع فى إجماله، فيبقى الإعلاميون هم المضارون من التأخر فى إصدار القانون، إضافة إلى أنه ليس من المقبول أن نجد فنى لحام أو فنى إضاءة يمكن أن يكون نقيبا للإعلاميين، مع كل تقديرنا لهم والإقرار بدورهم فى هذه الصناعة وتلك الرسالة ..
وكان المركز الوطنى للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام فى اجتماعه أثناء مناقشة أزمة تأخر إصدار هذا القانون قد أكد أن هذه النقابة نقابة مهنية، وهو الأمر الذى يخرج منه حملة المؤهلات المتوسطة وما دونها، فالحاصلون مثلا على شهادة بكالوريوس الطب يلتحقوق بنقابة الأطباء، وأما الحاصلون على مؤهلات التمريض يجدون طريقهم إلى نقابة التمريض وليس لهم حق الانضمام إلى نقابة الأطباء رغم أنهم يعملون فى مهنة واحدة وهى "التطبيب"، والقياس على ذلك كثير وهو ما يحسمه المؤهل العالى والتعيين فى المجال فى الانتساب إلى نقابة مهنية، والمؤهلات الأخرى إلى نقابات مهنية مغايرة أو نقابات عمالية .
ولا نتصور أيضا أن يطل على الشاشة ليخاطب الناس ويدخل بيوتهم دون استئذان ألا يكون من حملة المؤهلات العليا، ليتحقق الانضباط المطلوب، وعدم وجود الممرات لإضعاف النقابة قبل إنشائها..