أكد الكاتب البريطانى جدعون راخمان أن رئيسة وزراء بلاده تريزا ماى تحظى بميزة عظيمة كسياسية، إذ تبدو جادة ومسئولة، لكن المظاهر يمكن أن تكون خادعة.
وأوضح راخمان فى تعليقه بالـفاينانشيال تايمز قائلا إذا ما أمعنا النظر فى كيفية تعاطى رئيسة الوزراء مع ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى "بريكست"، فسنرى صورة لسياسى آخر مغاير تماما (لـتريزا الجادة المسئولة).
ورأى راخمان أنه بإعلانها بدء المفاوضات الرسمية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بحلول مارس 2017، تكون رئيسة الوزراء قد وقعت فى فخ؛ لقد أعطت ما تمتلكه بريطانيا من نفوذ ضئيل فى موقفها بالمفاوضات دون أن تأخذ أى ضمانات هى (ماى) بحاجة إليها لتأمين نتيجة ناجحة.
وأوضح راخمان أنه بمجرد إعلان المسز ماى تفعيل المادة 50، فإنه يتبقى أمامها مدة عامين للتفاوض على اتفاقية جديدة مع الاتحاد الأوروبى. .. وقد أخبر مسئولون كبار، رئيسة الورزاء بأن عامين اثنين فقط لا يكفيان للتفاوض بشأن شروط طلاق المملكة من الاتحاد وإبرام اتفاقية تجارة جديدة معه... وعليه فقد حذر هؤلاء المسئولون رئيسة الوزراء بأنه يجب عليها أن تأخذ ضمانات حول ما ستبدو عليه اتفاقية تجارة مؤقتة مع الاتحاد الأوروبى فى الفترة الطويلة الممتدة بين مغادرة المملكة المتحدة للتكتل ووضع اتفاق جديد موضع التنفيذ.
ورأى الكاتب أن المسز ماى اختارت تجاهل نصيحة هؤلاء المسئولين، وهى إذ فعلت ذلك فقد وضعت بريطانيا (عن علم) فى موقف غاية فى الصعوبة فى المفاوضات المقبلة...فبمجرد أن تفّعِل بريطانيا المادة 50، يمكن للاتحاد الأوروبى ببساطة أن يتباطأ فى إجراءاته – علما بأن المملكة المتحدة ستكون فى موقف متزايد الصعوبة كلما استطالت مدة التفاوض دونما اتفاق... وبعد عامين، ستُمسى بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبى – وستواجه تعريفات جمركية على السلع المصنّعة وخسارة حقوق حرية التنقل التى تسمح لشركات الخدمات المالية البريطانية بحرية حركة التداول التجارى عبر دول التكتل.
وحذر راخمان من أن الضرر الاقتصادى المتوقع جراء هذا الشكل من "الخروج الجامد" سيكون بالغا، ما قد يتمخض عن فترة تقشف جديدة... وأكد الكاتب أنه من الواضح أن الدافع الرئيسى للمعسكر المؤيد للـبريكيست فى بريطانيا هو دافع سياسى وليس اقتصادى، ونفس الشيء سيكون صحيحا من جانب الاتحاد الأوروبى فى المفاوضات.
فعلى الجانب البريطانى، يتمثل الهدف السياسى فى استرداد السيادة البرلمانية واستعادة السيطرة على الهجرة... وعلى جانب الاتحاد الأوروبى، يتمثل الهدف فى التأكد من أن خروج بريطانيا لن يؤدى إلى انهيار المشروع الأوروبى ذى الستين عاما... هذا سيعنى ضمان أن تدفع المملكة المتحدة ثمنا باهظا لمغادرتها الاتحاد الأوروبى. .. وكنتيجة لذلك، سيقبل الطرفان بعض الضرر الاقتصادى بدلا من التضحية بالأهداف السياسية.
وتكمن الصعوبة بالنسبة للمملكة المتحدة فى أن الضرر الاقتصادى الذى سيتحمله الاتحاد الأوروبى سيكون أقل وأيسر فى استيعابه من الضرر الاقتصادى الذى سيقع على كاهل بريطانيا؛ ذلك أن الاتحاد الأوروبى يمثل سوقا لبريطانيا أوسع من السوق التى تمثلها بريطانيا لباقى دول أوروبا... بريطانيا ترسل نسبة 44 بالمائة من صادراتها إلى الاتحاد، بينما تأخذ فقط نسبة 16 بالمائة من صادرات الاتحاد.
وعليه، تساءل الكاتب عن السبب وراء تهوّر المسز ماى فى قرارها؟ الإجابة المختصرة هى: "السياسة"... فلو أن رئيسة الوزراء كانت أرجأت موعد إطلاق المادة 50 أكثر من ذلك، لربما واجهت تمردا من النواب المحافظين الذين كانوا سيتخوفوا من عدولها عن بريكسيت... وبإصدار إعلانها قبيل مؤتمر حزب المحافظين، فقط ضمنت ماى لنفسها بعض العناوين المفضلة وكذلك ضمنت أن تضج قاعة المؤتمر بالتصفيق.
واختتم راخمان قائلا "قد تكون تريزا ماى ضمنت لنفسها عامين فى منصب رئيسة الوزراء، لكنها أيضا زادت فرص إضرار الـبريكسيت بالاقتصاد البريطانى إضرارا بالغا."
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة