فى الوقت الذى يسعى فيه الجمهوريون بالكونجرس الأمريكى لتجديد قانون لمعاقبة الجمهورية الإسلامية فى إيران لـ 10 سنوات وفرض عقوبات جديدة عليها، وجدت طهران ضوءا أخضرا منحها إياه البرلمان الأوروبى لتنسيق العلاقات معها فى إطار تبنى استراتيجية تهدف لتوسيع رقعة التجارة بين الجانبين، وذلك بعد أن توصلت مع القوى الغربية لاتفاق نووى في العام الماضى، وهرولت طهران نحو أوروبا، ورحبت بخطوة البرلمان الأوروبى تجاهها، إلا أنها أكدت على أن قدراتها الدفاعية لا تقبل التفاوض.
ترحيب بسياسة الاتحاد الأوروبى
وعبرت وزارة الخارجية الإيرانية على لسان متحدثها بهرام قاسمي عن تفاؤلها ازاء الخطوة الأوروبية، وقال إنها "تؤكد على تنمية العلاقات في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والخاصة بالطاقة والعلوم والتدريب والبحوث والبيئة".
وذكر في الوقت ذاته الضغوط التي تفرضها بعض الدول الغربية على إيران لمناقشة برنامجها الدفاعي، وقال "يتم إجراء اختبارات إيران الصاروخية في إطار سياسات البلاد الدفاعية، كما أن قدرات إيران الدفاعية غير قابلة للتفاوض ولن يتم المساومة عليها."
ومن جانبه، رحب الرئيس الإيرانى حسن روحانى باستراتيجية الإتحاد الأوروبى، وبتعزيز علاقات بلاده مع الدول الأوروبية، على اعتبار أن ذلك هو النهج الذى يتبناه المعسكر المعتدل الذى ينتمى إليه، حيث "التعامل البناء " والانفتاح على العالم، الذى وعد به الإيرانيين فى برنامجه الانتخابى عام 2013.
ويرى مراقبون أن تلك الخطوة ستجعل روحانى يحقق بعض الوعود الانتخابية التى منحها للإيرانيين والتى لم تر النور بعد، لاسيما أنه يقضى الأشهر الأخيرة من ولايته الأولى، قُبيل الانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها فى يونيو العام المقبل، كما أنها ربما تفتح له طريق لمزيد من الانفتاح على الغرب فى ولايته الثانية المحتملة فى 2017.
كما يرى مراقبون أن الرئيس الإيرانى أيضا سيستغل الحوار مع الإتحاد الأوروبى، فى الدعايا الانتخابية لانتخابات الرئاسة، مثلما استغل توقيع الاتفاق النووى فى تحقيق مكاسب للتيار الإصلاحى داخل البرلمان بعد سنوات من التهميش، كما أنه سيعتبر مكتسبات ونجاحات جديدة تضاف للتيار الإصلاحى تمكنه من الوقوف على أرض ثابتة فى الاستحقاقات الإنتخابية وتنظيم معسكره بشكل أفضل من أى وقت مضى.
وفى السابق صرح حسن روحانى بأن الاتحاد الأوروبى على استعداد لتوسيع علاقاته مع إيران، خاصة فى ظل الظروف التى تلت اتفاق طهران النووى مع القوى العالمية، إلا أن هذه المرة يتزامن الغزل الإيرانى للإتحاد الأوروبى مع قانون قد يمرره مجلس النواب الأمريكى ربما يجرى التصويت عليه منتصف نوفمبر المقبل- بفرض عقوبات على إيران في مجالات التجارة والطاقة والدفاع والقطاع المصرفي بسبب برنامجها النووي وتجارب الصواريخ الباليستية. وينتهي أجل القانون الحالى يوم 31 من ديسمبر.
إنقسام إيران بين الإصلاحيين والمحافظين
ورغم ترحيب الدوائر السياسية وصناع القرار فى طهران بالانفتاح الأوروبى، إلا أن الداخل الإيرانى انقسم حيال المشهد، فالجبهة المعتدلة والتيار الإصلاحى المؤيد لروحانى رحب بالخطوة ووجدها فرصة كبيرة للسوق الإيرانى بعد رفع رفع العقوبات مما سيحقق انتعاش اقتصادى بعد كبوة شهدها الاقتصاد الإيرانى السنوات الماضية جراء العقوبات، وهو ما ظهر فى إعلامه من تحليلات مؤيدة للخطوة، وعلى الجانب الأخر نظر المتشددون من التيار المحافظ إلى دعوة البرلمان الأوروبى بارتياب وحذر شديد، لاسيما أن هذا المعسكر يرفض التعامل مع الغرب.
وتسائلت صحيفة كيهان المتشددة التى يترأسها نائب المرشد الأعلى لشئون الصحافة حسين شريعتمدارى، هل يسعى الاتحاد الأوروبى لتطبيع العلاقات مع إيران أم للتدخل فى شئونها؟
ورأت الصحيفة أن استراتيجية البرلمان الأوروبى تحمل فى طياتها بنود من شأنها التدخل فى الشئون الداخلية الإيرانية، مشيرة إلى أن الغرب يريد لإيران أن تعود لعصر ما قبل الثورة الإسلامية وتسير فى ركابه، لافتة إلى تاريخ تدخلات الغرب فى الشأن الإيرانى وقيادة انقلاب للإطاحة برئيس الوزراء المنتخب محمد مصدق، واشعال احتجاجات 2009 فى البلاد.
واعتبرت الصحيفة المتشددة أن الغرب يعتبر أن الاتفاق النووى انجاز له، إذ أنه تمكن من تقويض إيران، وجعلها تتخلى عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% والذى يستخدم فى المجالات الطبية والزراعية، وجمعت طهران 12 ألف جهاز طرد مركزى، كما أنها أزالت قلب مفاعل أراك البحثى.
وبدورها، علقت الصحيفة المتشددة "وطن امروز" بقولها إن قرار البرلمان الأوروبى يشير إلى فتح مكتب له فى طهران، وهو ما رفضته وقالت لن نترك الغرب ينشئ "عش التجسس" مجددا فى طهران (وهو مصطلح أطلقه الإيرانيون على السفارة الأمريكية بعد اقتحامها فى اعقاب الثورة الإسلامية 1979 واحتجاز دبلوماسييها كرهائن لمدة 444 يوم).
وعلى جانب أخر اعتبرت الصحف الإصلاحية والمستقلة كصحيفة "إيران"، أن استراتيجية البرلمان الأوروبى، تخفى فى جوانبها رسالة إلى الإدارة الأمريكية القادمة سواء كانت المرشح الجمهورى ترامب أو الدبمقراطية هيلارى كلينتون، أى أنه فى حال إيجاد ائتلاف دولى لممارسة ضغوط دبلوماسية أو اقتصادية وسياسية على إيران أو لحث حلفاء الولايات المتحدة الغربيين على الغاء أو عرقلة تنفيذ الاتفاق النووى فان ذلك سوف يواجه بشكل حازم.
واعتبرت الصحيفة الإيرانية أن القرار الأوروبى يشير بشكل صريح إلى الاعتراف بأن طهران لاعب أساسى فى العلاقات الإقليمية، كما أنه يرفض مزاعم مخالفة التجارب الصاروخية للإتفاق النووى.
واعتبر المحلل السياسى الإيرانى فريدون مجلسى فى مقاله بصحيفة اعتماد الإصلاحية، أن وضع أوروبا الجديد جعلها تتجه نحو الأسواق الإيرانية من أجل إيجاد فرص عمل وانتاج فى مجال الصناعة.
ورأى أن الصناعة فى أوروبا أيضا هامة بالنسبة لإيران، لأنها تمتلك أدوات دقيقة وانتاج متقدم، وقال إن قرار البرلمان الأوروبى من الممكن أن يشجع الدول الأوروبية على تنمية العلاقات مع إيران بشكل كبير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة