أكرم القصاص - علا الشافعي

كمال حبيب

الحج.. تلك التجربة الفريدة «2-2»

الإثنين، 24 أكتوبر 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ملايين البشر تتوحد مشاعرهم وأفكارهم وقلوبهم إلى قبلة واحدة هى البيت المعمور
فى الحج معنى القدرة على أن تغادر استقرارك فى بيتك وبين أهلك لتعيش حالة جديدة أنت وحدك فيها، وفى ذلك معنى الهجرة، هجرة ما اعتدته، هجرة مصالحك وعلاقاتك وحتى هجرة ما علق بقلبك من أسباب حياتك، فأنت تغادر إلى عالم جديد تنتصر فيه على العلاقات الثابتة المستقرة المعتادة لتنشئ علاقة جديدة مع الله، ومع الوجود كله «ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الأرض مراغما كثيرة وسعة».
 
وهنا أنت لا تغادر وحدك، وإنما يشاركك أحبابك من أبنائك وأهلك، فهم يرضون بهجرتك وسعيك إلى ربك، وتركهم وحدهم يعالجون هم أسباب الحياة ومشاكلها بدلا منك ونيابة عنك، وهم هنا يشاركونك معنى الهجرة تلك والقبول بالاستجابة لنداء إبراهيم عليه السلام، حين أذن فى الناس بالحج استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى، وأنت تقول حين تترك أولادك وأسرتك: «اللهم أنت الصاحب فى السفر والخليفة فى الأهل، فتحقيق معنى التوكل على الله ورد الأمر إليه هو كأصل فى أن يدبر أمورك وأسرتك اللهم دبر لنا فإنا لا نحسن التدبير».
 
فى مطار القاهرة ترتدى لباس الإحرام الأبيض، وتغتسل وتصلى وتجد نفسك وقد أحاط بك آخرون قد فعلوا نفس الشىء، فتشعر بأنك لست وحدك فرجوعك إلى ربك وترك معتاداتك وأحب الناس إليك وأقربهم لقلبك قد فعلوه كثيرون غيرك، وبينما يظل ما تركته خلفك فى كل أسفارك شاغلا لعقلك وقلبك، فإن الحج انصراف كلى إلى الله سبحانه وتعالى، لا تلبث أن تجد نفسك وقد أذهلك برنامجه عن غيره، فأنت منشغل فقط بما أنت مقبل عليه من برنامج صعب، ويعرف الحجاج جميعا أن الانشغال بشؤون الدنيا لا يبدأ إلا بعد الانتهاء من شعائر الحج فتعود مرة أخرى منشغلا بأولادك وتجارتك وحياتك ووظيفتك، أما طيلة وقت الحج فأنت فقط منشغل بأداء مناسكه وشعيرته.
 
الحج ممارسة عملية بلا ريب، فقد قرأت أيام بدايات مطالعتى للعلوم الشرعية كتاب «صفة صلاة النبى» للألبانى وفهمته واستوعبت كل تفاصيله، وقد حاولت معرفة فقه الحج، ولم أستوعبه إلا بعد أن حققته عمليا فوقفنا بعرفة ومنها إلى مزدلفة، ومنها إلى منى، حيث رمينا الجمرة الكبرى، وعدنا نرمى الجمرات فى أيام التشريق، ونحن مقيمون بمنى، حتى إذا فرغنا من ذلك تحللنا التحلل الأصغر حتى نطوف ونسعى، وكنا قد طفنا وسعينا حين استقبلنا بيت الله الحرام أول قدومنا.
 
ملايين البشر يتجهون نفس الوجهة ويقومون نفس القومة، وتتوحد مشاعرهم وأفكارهم وقلوبهم إلى قبلة واحدة هى البيت المعمور وكعبة الله سبحانه وتعالى، وتجدهم جميعا مختلفى الألوان نساء ورجالا متقاربين وهو يطوفون وكأنهم ذرات يطوفون حول مركز واحد كالخلية يطوف حول مركزها مكوناتها، وهذا تحقيق عملى لمعنى الأمة، وأن هذه الأمة كالبنيان المرصوص يشد بعضه، لا شك أن تحقق معنى الأمة العملى تجده وأنت تحج وحولك كل الأعراق والجنسيات والأقوام واللغات واللهجات، إنه تذكير بأن التقسيم والحروب والطائفية والتطرف والعدوان والتمزق هو من فعل الساسة فى الداخل ومن فعل ساسة الغرب فى الخارج، بيد أن الحج لحظة أمل جديد تقول إن هذه الأمة المسلمة قادرة على أن تتجاوز تلك السياسات الشيطانية الآثمة المجرمة إن هى وحدت قبلتها ووحدت توجهها ووحدت مسيرتها وسيرتها. لقد مشيت فى هذه الرحلة الصعبة من مزدلفة إلى منى لرمى الجمرة الكبرى، ومن مكان رمى الجمرات إلى منى ثم العودة مرة أخرى لرمى الجمرات أيام التشريق، وعانيت فى ذلك معاناة كبيرة وقد كانت زوجتى ترافقنى، وفى هذه المسيرة المباركة عاينت وعايشت شعور مريدى المتصوفة الذين يخلصون إلى الله عبر ممارساتهم العملية لتأديب الذات وتحررها من قيود البرستيج والهيبة والمكانة. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، لا إله إلا وحده صدق وعده ونصرعبده وهزم الأحزاب وحده، تذكير بأن النصر والهزيمة هى بيد الفعال لما يريد.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة