"غدارة هى كرة القدم".. ليس فقط عندما تنقلب على فريق ما داخل الملعب، وتبتسم لفريق آخر، ولكنها غدارة أيضا عندما تعرف يوما ما أحد أعظم الأندية فى العالم، وتتركه الآن غارقا فى دوامة الهبوط يصارع من أجل البقاء، وهو ينافس فى الدرجات الدنيا، بعد أن كان فى مصاف الكبار.
قصص كثيرة تجسد المثال السابق، إلا أن صحيفة "ميرور" البريطانية نشرت هذه المرة قصة فريق كان فى أحد الأيام مصدر إلهام حقيقى لكرة القدم، ومن الرعيل الأول للأندية التى عرفت العالم معنى وأصول معشوقة الجماهير، قبل أن تصبح الأكثر شعبية فى العالم، إلى أن وصل به الحال للمنافسة فى دوري الدرجة الثامنة بإنجلترا!.
تاريخ تأسيس نادى كورينثيان
تأسس نادى كورينثيان فى عام 1882 بالقرب من كاتدرائية "سان بولس"، بواسطة لين جاكسون الذى كان وقتها سكرتير الاتحاد الإنجليزى لكرة القدم، حيث كان عدم فوز المنتخب الإنجليزى على أسكتلندا سبباً فى ذلك، وفكر الرجل فى تكوين هذا الفريق الجديد، ليمد المنتخب بلاعبين متميزين.

فريق كورينثيان فى 1882 ويظهر فى الإطار مؤسسه لين جاكسون
المنتخب الإنجليزى بأكمله من لاعبى كورينثيان
وخلال سبع سنوات من تأسيس كوريناثيان، الذى أصبح اسمه بعد ذلك "كورينثيان كالجوال"، نجح المنتخب الإنجليزى فى تحطيم عقدة أسكتلندا وفاز عليه بمساعدة 9 لاعبين من كورينثيان، ولكن فى عامى 1894 و1895 لعب الإنجليز مباراتين أمام ويلز، بفريق ضم 11 لاعباً جميعهم من كورينثيان، ليكون الفريق الوحيد فى التاريخ حتى يومنا هذا الذى يعتمد تشكيل المنتخب بأكمله على لاعبيه.

نجوم كورينثيان فوستر فراى وسميث قبل إحدى المباريات
كورينثيان شكَّل القوة الضاربة للإنجليز
وبين عامى 1883 و1890 كان هناك 52 من أصل 88 لاعبا مثلوا المنتخب الإنجليزى فى مبارياته أمام أسكتلندا، من فريق كورينثيان، نظراً لقوته آنذاك.

تشكيل منتخب إنجلترا فى 1894 كله من لاعبى كورينثيان
مخترع كلمة "سوكر" من أبناء كورينثيان
كرة القدم فى هذا الوقت كانت تُعرف باسم "اتحاد كرة القدم"، غير أن تشارلز ريفورد براون الذى كان قائداً للفريق فى أول مباراة يخضوها، كان هو مخترع كلمة "سوكر" التى عرفت كمصطلح لكرة القدم.
وتعود القصة إلى أنه أثناء حديثه مع أحد أصدقائه فى جامعة "أوكسفورد"، سأله هذا الصديق عما إذا كان يفضل ممارسة لعبة الرجبى، ليرد عليه تشارلز قائلاً إنه يفضل ممارسة كرة القدم، ولكنه قال كلمة "سوكر" كتعريف للعبة، وذلك اختصاراً لكلمة "أسوسييشن" التى تعنى الاتحاد، لتصبح "سوكر" هى المصطلح الدائم بعد ذلك للعبة.

تشارلز ريفورد براون مبتكر كلمة "سوكر"
أول لاعب بريطانى أسود من أبناء كورينثيان
وكان من أبرز نجوم الفريق ماكس ووزمان، الذى قاد المنتخب الإنجليزى فترة من الوقت، ولعب لفريقى مانشستر سيتى وتشيلسى، وكان لاعب تنس مميز أيضاً، حيث فاز بلقب بطولة ويمبلدون مرتين، وفاز بذهبية أولمبياد 1920 فى أنتويرب ببلجيكا، كما يعتبر أول لاعب بريطانى أسود من أبناء فريق كورينثيان وهو أندرو واطسون.

فريق كورينثيان عام 1885 ويظهر فى الإطار أندرو واطسون أول لاعب أسود بريطانى
الحرمان من اللعب فى البطولات الرسمية
وبسبب تمسك كورينثيان باللعب كفريق للهواة، وعدم الانضمام لعضوية الاتحاد الإنجليزى لكرة القدم، رفقة فرق أخرى مثل جامعة أوكسفورد وجامعة كامبريدج، حُرم كورينثيان من اللعب فى أى بطولة رسمية.
تعويض المباريات الرسمية بالجولات الودية
النادى لم يتوقف بسبب هذه العقوبة، ولكنه قرر أن يجوب أوروبا لخوض عدد كبير من المباريات الودية، ليكون أول فريق يفعل ذلك، كما أنه سافر للعب فى جنوب أفريقيا عام 1897 لتكون أول دولة خارج أوروبا، يتم لعب المباريات على أرضها.

مباراة ودية لكورينثيان أمام منتخب هولندا عام 1906
صاحب أكبر نتيجة فوز على مانشستر يونايتد
وطاف كورينثيان العديد من الدول، حيث لعب فى أمريكا وفاز على فريق نيويورك 18 : 0، وحقق فوزاً كبيراً فى 1904 على مانشستر يونايتد بنتيجة 11 : 3، وهى الهزيمة الأكبر فى تاريخ الشياطين الحمر.

الملك جورج السادس يسدد ضربة البداية قبل مباراة لكورينثيان أمام توتنهام
البرازيل عرفت كرة القدم عن طريق "كورينثيان"
قد يكون الأكثر إثارة من كل ذلك، هو أن السبب الرئيسى فى نقل كرة القدم للبرازيل، التى أصبحت بعد ذلك مهد أفضل نجوم اللعبة، هو تشارليز ميلر لاعب أحد لاعبى كورينثيان فى هذه الحقبلة الزمنية، والمولود لأب أسكتلندى كان يعمل مهندساً للسكسك الحديدية فى البرازيل، وأم برازيلية من أصل إنجليزى.
سافر ميلر إلى بريطانيا من أجل الدراسة فى ساوثهامبتون، وهناك التحق بكورينثيان، ومارس معه كرة القدم، إلا أنه عند عودته للبرازيل فى 1894 أخذ معه بعض الكرات والأحذية الرياضية، ليتسبب ذلك فى انتشار اللعبة هناك، مما جعلهم يطلقون عليه أن الأب الروحى لكرة القدم فى بلاد السامبا.

تشارليز ميلر الأب الروحى لكرة القدم فى البرازيل
"كورينثيانز" أصله كورينثيان
ويعتبر نادى كورينثيانز البرزايلى الذى تأسس فى عام 1910 بواسطة بعض الشبان الإنجليز، امتداداً لكورنثيان، حيث فضل هؤلاء الشباب أن يطلقوا اسم النادى الإنجليزى على النادى الجديد، ولكن نظراً لسوء فهم البرازيليين للغة، أضافوا حرف “S” لناديهم.

فريق كورينثيان الذى قام بجولة ودية فى البرازيل
دور بطولى لكورينثيان فى الحرب العالمية الأولى
وفى عام 1914 ذهب كورينثيان إلى جولة ودية فى البرازيل، ولكن بمجرد العلم باندلاع الحرب العالمية الأولى، عاد الفريق إلى بريطانيا، ليكون له دور فى هذه الحرب، ولكنه فقد الكثير من لاعبيه، إبان هذه الحرب، التى امتدت لـ4 أعوام، وقام بكتابة أسماءهم على لوحة للشرف داخل مقر النادى تخليداً لذكراهم، ولأعمالهم البطولية.



وكان أبرز هؤلاء اللاعبين الذين فقدوا حياتهم فى الحرب الحارس توماس رولاندسون، الذى لعب أيضاً لفريق سندرلاند، عندما كان الأخير من أعتى الفرق فى هذه الفترة، حيث قتل رولاندسون فى معركة "فليرز كورسيليت" عام 1916.

الحارس توماس رولاندسون أحد ضحايا كورينثيان فى الحرب العالمية الأولى
المثير أن الفريق عاد فى عام 2015 للبرازيل لاستكمال رحلته التى لم تكتمل منذ 100 عام، وخاض هناك بعض المباريات الودية.

فريق كورينثيان يتدرب على أحد شواطئ ريو دى جانيرو
ترسيخ قواعد اللعب النظيف
ولعل أبرز ما كان يميز كورينثيان، أنه اكن يحاول دائماً ترسيخ فكرة اللعب النظيف، وليس مجرد خوض كرة القدم كلعبة، حيث كان يرفض الحصول على ركلات الجزاء، أو التحايل من أجل الحصول عليها، لأنهم كانوا يعتقدون أن الرجل النبيل لن يتعمد إيذاء خصمه، وأنه من المفترض لو حدث ذلك أن يكون عن غير قصد.

كوثبيرت بريسلى أحد أفضل لاعبى كورينثيان
وكان الفريق يرى أن الحكم داخل الملعب تتمثل وظيفته فقط فى الحفاظ على قوانين اللعبة، بينما كانوا يمارسون كرة القدم من أجل تحسين المستوى الأخلاقى للاعبين.

فراى أحد أبرز لاعبى كورينثيان

سميث أحد أبرز لاعبى كورينثيان
الاندماج مع كاجوال
ونظراً لسوء الحوال المادية للنادى فقد انهار تماماً فى 1939، ولكنه انضم إلى فريق "كاجوال" وتكون من اتحادهم فريقاً جديداً وهو "كورينثيان كاجوال" الذى ظل إلى يومنا هذا، وأصبح ينافس فى دوري الدرجة الثامنة.

إلهام ريال مدريد باللون الأبيض
ولعل أكثر ما يثبت أن كورينثيان كان مصدر إلهام لكرة القدم، وللعديد من الفرق الكبرى بعد ذلك، فقد كان ملهماً للعملاق الإسبانى ريال مدريد فى ارتدائه للقميص الأبيض، الذى ما زال يشتهر به حتى الآن.

نهاية مؤلمة للفريق العريق
المؤلم أن الفريق الحالى يبتعد بملايين الآمال عن الفريق الذى أسسه الأجداد، حيث إنه يصارع من أجل البقاء، بعد أن كان قديماً مصدر إلهام لعمالقة كرة القدم، وللبرازيل التى أصبحت فيما بعد أفضل من يقدم فنون اللعبة.

سميث أحد أبرز لاعبى كورينثيان