أكرم القصاص - علا الشافعي

الانبا ارميا

"جدار سوء الظن"

الجمعة، 08 يناير 2016 10:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحدثنا فى مقالات سابقة عن جُدران يبنيها الإنسان داخل ذاته، وبينه وبين الآخرين من خلال تقوقعه داخليـًّا فى أمور حياته وظروفه، دون أدنى محاولة منه لتفهم ظروف حياة الآخرين وإمكاناتهم، ما يؤدى إلى وقوع الاختلافات والصدامات بين كثير من البشر.

وأحد الجُدران التى تُبنى فى حياة البعض: هى التى تتكون بسبب ما يرسِمه الإنسان من توقعات عن حياة الآخرين وشخصياتهم، ربما تكون مغايرة تمامـًا للواقع! تحضرنى قصتان فى هٰذا الموضوع: تجرى أحداث الأولى فى إحدى القرى الصغيرة التى كان يعيش بها أناس فقراء، وكان جزار القرية يقوم بتوزيع بعض قطع اللحم عليهم من آن إلى آخر دون مقابل. وكان يعيش فى تلك القرية رسّام عجوز يتقاضى مالاً كثيرًا من بيع لَوحاته الرائعة. وكان أهل القرية يتعجبون من ذٰلك الرسام الذى لا يمُد يد المساعدة إلى أحد على ما يملِكه من مال وافر!

وذات يوم، قرر أحدهم أن يحادث الرسام، فسأله لماذا لا يساعد فقراء القرية مع أنه يمتلك كثيرًا من المال، لافتـًا ـ فى مقارنة ـ إلى جزار القرية الذى لا يملِك إلا المال الضرورى، ومع هٰذا يقدِّم إلى أهل قريته يوميـًّا قِطعـًا من اللحم مجانـًا. وانتظر الفقير ردًّا. إلا أن الرسام ابتسم للفقير بهُدوء، ولم يُجِبه عن تساؤله وهو ما أثار غضبه جدًّا، فخرج من عند الرسام وقد أخذ يتحدث إلى أهل القرية عن عدم محبة الرسام لهم وهو الذى فى استطاعته أن يعطيهم مما يملكه من مال. وصدَّق أهل القرية كلمات الفقير، وقرروا مقاطعة الرسام الذى تعرَّض لمرض شديد بعد بُرهة، ولم يزُره أحد إلى أن مات! ومرت الأيام، ليجد أهل القرية أن الجزار قد توقف عن توزيع اللحم كعادته على الفقراء، فسألوه عن السبب فأجابهم أن الرسام العجوز كان يُرسل إليه المال اللازم للُّحوم التى يقوم هو بتوزيعها! وهٰكذا بموت الرجل، توقف المال ومعه اللحم.

هنا لك أن تتخيل، عزيزى القارئ، المشاعر التى اجتاحت أهل القرية وقتئذ من ندم، بسبب معاملتهم للرجل وظلمهم له. ربما يعتقد بعضٌ أن الرسام العجوز له دَور فى الظلم الذى وقع عليه بسبب صمته، لٰكن لكل إنسان حقه فى اختيار طريقة الحياة التى يرغبها، وأسلوب الخير الذى يريد أن يقدِّم به. كذٰلك هناك من الظروف والأسرار ما لا يقال لكل إنسان. لذٰلك، فدورنا نحو الآخرين فى الحياة أن نقدِّم إليهم المحبة والود والخير، دون مبررات أخرى سوى أنهم بشر يحملون سمات إنسانية مثل التى نحملها جميعـًا فى أعماقنا. وحسبما يُريد كل إنسان أن يعامله الآخرون، هٰكذا عليه أن يسلك بأسلوبه نفسه تجاههم؛ ومن ثَم فإنه حتى إن اكتشف أنه أخطأ فى أحكامه على أحد، فإنه لن يندم، إذ قد قدَّم محبته إلى الجميع.
أما القصة الأخرى، فإنها تتحدث عن ... وللحديث عن الحياة بقية.

• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسىّ.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة