كم يبلغ عمرك؟ أنت مثلا فى الفترة من 20 إلى 30، أعتقد أن عمرك هكذا، عموما أنا أكبر منك سنا بأعوام لا تزيد عن الكف اليمنى أو اليسرى، بطبيعة الحال إذاً أنا وأنت من الجيل إياه بتاع مواقع التواصل الاجتماعى الذى ينشر الشائعة فتتحول إلى حقيقة فى دقائق، وتتصدر القصص الخبرية فى أشهر المواقع المحلية والعربية، ولا تعجب أنها تأخذ مساحتها فى المواقع العالمية، أنا وأنت غيّرنا مفهوم الرفض من الجيل القديم الذى يشجب ويستنكر ويدين إلى الاعتراض و"الزعيق" و"التحفيل" على أى أمر لا يحلو لنا، عادى أن يحدث ذلك كما يُقال التغيير أمر طبيعى وسنة الحياة.
وإذا استطاع الشباب، وأنا وأنت منهم، أن يقوموا بثورتين فمن الطبيعى أيضا أن يخلقوا لأنفسهم أسلوب الحياة ومفردات جديدة يتعايشون بها، حتى الآن لا خلاف على ذلك، لكن الخلاف بعض الشىء فى إبطال الحق وإحقاق الباطل، وتغيير بل وأحيانا مسح ما فى الذاكرة التى تحمل فترة ولدت وتعلمت وأقبلت على الزواج فيها قدرها ثلاثون عاما حكم فيها رئيس أسبق اسمه حسنى مبارك، اختلفت الروايات عن طريقة حكمه فى العقود الثلاثة، لكن الثابت أن العقد الأخير كان منتهى السوء، مما أدى إلى اندلاع ثورة شعبية أطاحت بحكمه ونظامه، أنا وأنت قبل رحيله بماذا كنا نحلم ونطلب أن يكون عليه رئيس مصر؟، أن يلتقى بالجميع دون أن يكون اللقاء بديكور مبنى خصيصا فى إحدى المناطق الزراعية أو الصحراوية، وأن يستمع للجميع، ويقبل نقد من يريد أن يتحدث دون أن يغضب نجله، الذى لا يطمع فى الحكم، فتتحرك حاشيته وتأمر بأن تترك كاتبا صحفيا كبيرا دون ملابسه، كنت أحلم وأنت مثلى بأن أنظر وأدقق فى مقر الحكم عندما أسير أمامه دون أن تستوقفنى مجموعة من الرجال ينتمون إلى جهات أمنية متعددة، المسميات الآن أنا وأنت وغيرنا كثيرون من شباب وممثلين لأحزاب سياسية، وممثلين للمجتمع المدنى والصحافة والإعلام، والمثقفين ورجال الأعمال، والزراعيين والباحثين والمقيمين فى الخارج، دخلنا مقر الحكم وتحدثنا مع من يدير شئون البلاد، كنا نحلم بأن نشكو عن حالنا لمسئولى الرعايا، فأصبح قبل أن يستمع إليك يطلب منك أن تتحدث بكل صراحة عما بداخلك تجاه وطنك وما يمر به من مشكلات.
أختلف معك كثيرا فى الحكم على الأمور دون وعى أو مشاهدة حقيقية للأشياء حتى نضعها فى مكانها الصحيح، الرئيس حقق كثيرا مما كنا نتمنى أن يكون عليه من يدير شئون البلاد، حقا إن هذا بفعل ثورتين، ولكن فى الوقت نفسه الفوضى والتسيب والأمور السلبية التى حدثت بعدها، خاصة الثورة الأولى أظهرت أصواتا كتيرة تُطالب من يحكم بأن يستعين بالحديد والنار، حتى يقضى على الفوضى التى ضربت أرجاء البلاد، ولو فعل ذلك لوجد من يؤيده، ولكنه بعقل وهدوء يُرثى قواعد وطرق تعامل لا يُشاهدها من يريد أن يرى نصف الشاشة فقط أو من يستسهل المعارضة على التأييد، الخلاف مع الرئيس من جانب شريحة من الشباب مُصطنع، وعندما تتحدث مع أى شاب معارض يريد أن يسمع ويفهم لا تجد لمعارضته مبررا، فقد يُحدثك عن استبعاد الرئيس للشباب من منظومة الحكم، فتجاوبه بأن60% من أعضاء المجالس التخصصية التى تُعيّن الرئيس فى الحكم من الشباب، لا يقتنع، فتضطر لمصارحته بأننا كشباب أصلا غير مستعدين للمشاركة فى الأساس لأى عملية جادة وليس تحمُّل مسئولية حكم شارع أو حى، مصابين بالفهلوة والحداقة والمفهومية والشطارة والفذلكة.
آن الأوان للقضاء على جميع مفردات النصب تلك، وجاء وقت التدريب والتعلم واكتساب المهارات والابتكار والاكتشاف، وهو ما حدث بانطلاق البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، أعتقد أنه خطوة على الطريق الصحيح، لتسلّم جيلنا مقاليد الأمور بعيدا عن الوساطة والمحسوبية وضيف عليهم الحداقة والفهلوة.