نقلا عن العدد اليومى...
يبدو أنه لم يعد هناك مكان للفن الجيد فى شباك المنافسة بدور العرض السينمائية، فى ظل حروب توزيع فوضوية، تعمل على قتل الفيلم الجيد لصالح الردىء، بسيطرة «شلة» بعينها على السينمات فى القاهرة والمحافظات، تفسح الطريق لمن تشاء وتغلقه على من أرادت، ففى كل موسم سينمائى يعرض عدد من الأفلام فى دور العرض لكن القاعات تفتح لفيلمين أو ثلاثة فقط، فى حين يُكتفى بعرض الأفيشات فقط للأفلام الأخرى، آخر الضحايا فيلم «قدرات غير عادية» بطولة خالد أبو النجا ونجلاء بدر ومحمود الجندى، تأليف وإخراج داود عبدالسيد، إذ تم رفعه من بعض السينمات، بحجة قلة إيراداته، رغم أن العمل لم يكمل شهرا فى دور العرض، وعندما يذهب الجمهور لمشاهدته فى إحدى السينمات لا يجدون سوى أفيشاته على أبواب السينما.
ما حدث مع فيلم داود عبدالسيد، يحدث فى كل موسم من حروب توزيع تنشأ بين الشركات المنتجة، ويكون ضحيتها دائمًا «الأفلام المحترمة»، بعيدًا عن أى قانون منظم للصناعة، حدث هذا مثلا مع فيلم «سكر مر» للمخرج هانى خليفة، أيضا «بتوقيت القاهرة» آخر أعمال النجم الراحل نور الشريف، ويظل السؤال فارضا نفسه: «لماذا لا تأخذ الأفلام فرصتها الحقيقية فى العرض حتى إن تم منح بعضها شاشة صغيرة مع وضع الفيلم الذى يجلب إيرادات فى قاعة عرض أكبر؟، بالطبع قانون السوق لا يعترف بهذه الأشياء.
المخرج داود عبدالسيد يقول لـ«اليوم السابع»: إن السوق السينمائى فى مصر لا يوجد به ضوابط محددة لتوزيع أو عرض الأفلام، واستمرار عرض الفيلم بالسينمات يعتمد على قدرته فى تحقيق الإيرادات فقط، وأصحاب دور العرض بمصر يعرضون أفيشات الأفلام لجذب الجمهور، ولا يقومون بعرض الأفلام نفسها، ويكتفون بفتح قاعات أكثر للأفلام التى تستطيع أن تحقق إيرادات أكبر، عكس ما يحدث فى دور العرض بأى دولة أوروبية التى تكون ملتزمة تجاه المشاهد ولا تروج للفيلم أو تضع بوستراته إلا إذا كان يُعرض لديها بالفعل، فعرض الأفلام هناك ليس لعبة تحكمها الإيرادات كما هو الحال لدينا.
وأوضح المخرج السينمائى، أنه لا يستطيع تحميل غرفة صناعة السينما، المسؤولية وراء فوضى وحروب التوزيع السينمائى بمصر، حيث قال: «الغرفة يجب أن تراعى مصالح أصحاب دور العرض، خاصة أنهم يضغطون بقوة على فاروق صبرى رئيس الغرفة لتحقيق أرباحهم ويدافعون عن مصالحهم فى عرض الأفلام الأجنبية لأنها أرخص بالنسبة لهم»، ولفت إلى أن نظام الـhold over فى عرض الأفلام جيد، ولكنه غير عملى لأن تطبيقه يلزمه نظام مراقبة دقيقة على دور العرض وهو أمر صعب التنفيذ، فلا تستطيع الغرفة أن تضع أحد موظفيها فى كل دار عرض لمراقبة تطبيق النظام، أو أن تكّلف مفتشيها للتأكد من تنفيذه لأنه حتى فى هذه الحالة من السهل «رشوتهم»، مؤكدا أن الحكومة لا تستطيع تنظيم عمليات التوزيع لأنها لا تضع السينما على أولوياتها بدليل مشكلة القرصنة التى لم تتخذ بشأنها أى خطوات ملموسة على أرض الواقع، رغم خطورتها وتدميرها للصناعة حتى الآن، ولذلك لا يمكن الاعتماد عليها فى ضبط توازن السوق السينمائى.
ويرى المنتج جابى خورى أن استمرار عرض أى فيلم فى السينمات معتمد على تحقيقه إيرادات جيدة، مؤكدا أنه إذا كان الفيلم جيدا فنيا ولا يحقق الإيرادات المطلوبة فإن أصحاب دور العرض لن يترددوا فى رفعه من السينمات.
وأوضح المنتج محسن علم الدين، عضو غرفة صناعة السينما، أن السينمات هى مشروع تجارى فى المقام الأول وإذا لم يستطع الفيلم المعروض تغطية المصاريف التى تدفعها دار العرض من كهرباء ورواتب للموظفين وتحقيق هامش ربح لهم فيجب أن يتم رفعه على الفور، لافتا إلى أن عروض الأفلام فى مصر ليس لها آلية محددة، والفيلم الذى يحقق إيرادات جيدة يستمر فترة أطول بالسينمات، لافتا إلى أن المعيار الوحيد الذى يأخذه أصحاب دور العرض فى الحسبان هو تحقيق الإيرادات ولا يعنيهم إذا كان الفيلم جيدا فنيا أو أنه يوجه رسالة هادفة أو رغبة صناع الفيلم فى تقويم سلوك الجمهور أو غيره، ولكن يجب أن يكون الفيلم قادرا على توصيل كل ذلك ويحقق إيرادات جيدة فى نفس الوقت.
وأوضح المنتج أن نظام الـhold over يتم تطبيقه حاليا ليضمن نوعا من الإنصاف فى عروض الأفلام، وتكون بموجبه السينما ملزمة بعرض الفيلم المصرى إذا استطاع أن يحقق نسبة إشغال 25% من عدد الكراسى الخاصة بالسينما فى أول أسبوع من عرضه، وإذا استمر الفيلم محافظا على مستواه يتم عرضه لأسبوع آخر، أما بالنسبة للفيلم الأجنبى فإن السينما ملزمة بعرضه إذا استطاع أن يحقق نسبة إشغال تصل إلى 45% من عدد الكراسى بالسينما فى الأسبوع الأول من عرضه، وفى حالة الحفاظ على مستواه يتم عرضه لأسبوع آخر، وإذا لم يحقق الفيلم المصرى نسبة الإشغال المطلوبة فإن استمراره يكون فى يد صاحب دار العرض الذى يقرر وقفه أو نقله لقاعة أصغر، لافتا إلى أن السبب فى عرض أفلام السبكى فترة أطول فى السينمات هو تحقيقها الإيرادات المطلوبة وتغطى تكاليف دار العرض، وليس العلاقات التى تربط السبكية بأصحاب دور العرض.
ونسبة %25 من الإشغال تعنى أنه إذا كان عدد مقاعد القاعة التى يعرض بها الفيلم تساوى 200 مقعد، فإن نسبة الإشغال تساوى 50 كرسيا فى الحفلة الواحدة، وهذه النسبة ليست ثابتة وتعتمد على موقع السينما ونسبة الإقبال عليها، حيث إن بعض السينمات بالمحافظات لا تشهد إقبالاً قوياً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة