د.أيمن رفعت المحجوب

الاقتراض شر لابد منه الآن

الإثنين، 04 يناير 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فرحت الحكومة كثيرا لحصولنا للمرة العاشرة أو الحادية عشر على قرض دولى جديد منذ قيام ثورة يناير 2011، والحق الأمر يحتاج إلى توضيح للشعب، لماذا كل هذه القروض! وحيث إننا لا نجد بيانا حكوميا واضحا يشرح شروط القرض، ولا استخدماته بصورة تجعل الشعب يوافق عليه ويعتمده من خلال مجلس النواب القادم، وجدت نفسى مضطرا لتوضيح عيوب ومزايا الاقتراض الداخلى والخارجى، وكيف نستفيد منه فى برامج التنمية ونسددها فى ميعادها حتى نكون دولة تحترم بين الأمم.

تقتضى التنمية الاقتصادية فى مصر الحصول على الموارد اللازمة لتحقيقها فى زمن قصير يتفق مع خطة الدولة واحتياجات الشعب المتزايدة، وعلى ذلك فنحن فى حاجة إلى وسائل تمكننا من الحصول على هذه الموارد من رؤوس أموال نقدية كافية بكل أشكالها وخاصة العينية منها، وإذا كانت البلاد الأخذة فى النمو تتصف بأنها تتميز بوجود موارد معطلة كبيرة، إلا أنه يعاب عليها من ناحية أخرى، بعدم توافر كل المواد اللازمة للتنمية الشاملة، وتتمحور هذه الملاحظة فى النوع اللازم من رؤوس الأموال النقدية إذ من المنطقى أن تتناسب الموارد المطلوبة للتنمية الاقتصادية مع النوع الملائم من العملات "مثل الدولار والاسترلينى واليورو"، فالعناصر التى تتوافر فى الداخل "أى من أيدٍ عاملة ومواد خام والآلات.. إلخ" يمكن تدبيرها بالعملة المحلية، أما العناصر التى لا تتوافر فى الداخل، والتى يجب استيرادها، لابد من تدبير عملات أجنبية تمكننا من هذا الاستيراد المتكرر، فالدول الآخذة فى النمو تكون وهى بصدد التنمية الاقتصادية فى حاجة، بالإضافة إلى العملة المحلية، إلى عملات أجنبية لاستيراد ما ينقصها من عوامل إنتاج مثل الحالة المصرية الآن.

ومن هنا يتضح أن مشكلة التمويل فى مصر تكون مزدوجة إذ أنها لا تقتصر على مجرد توفير رؤوس الأموال النقدية، بل تقتضى فوق ذلك تكوين رؤوس الأموال النقدية وهذه من النوع الملائم للحصول على اللعناصر اللازمة للإنتاج والتنمية، وعلى هذا فمشكلة التمويل تنصرف إلى توفير العملات الملائمة سواءً كانت محلية أم أجنبية، وبالتالى نلاحظ أن مشكلة العناصر العينية تتوقف على مشكلة التمويل، لأن الحصول على العناصر العينية يتوقف على توفير وسائل التمويل غير التقليدية، هذا إلى جانب أن المشكلة الأولى، تحدد ومن ناحية أخرى، نوع العملات المطلوبة للتمويل "فإذا كانت المواد المطلوبة من أوروبا – يجب توفير عملة اليورو، أما إذا كانت من أمريكا – فيجب توفير الدولار".

لذلك نخلص إلى أنه لا تنمية بدون استثمار ولا استثمار بدون تمويل "محلى أو أجنبى"، فالتنمية الاقتصادية تحتاج إلى رؤوس أموال نقدية للقيام بالاستثمارات، وقد يتم هذا فى مصر إما عن طريق القروض والمنح الخارجية وإما عن طريق تكوين مدخرات قومية أو الاثنين معاً.

ونشير هنا إلى أن مصر وبعد 30 يونيو 2013 سعت إلى تكوين مقدار من الادخار القومى يناسب مقتضيات التوسع الاقتصادى المحقق للتنمية السريعة، فلقد لجأت مصر إلى تمويل جزء من التنمية الاقتصادية بوسائل داخلية "مثل إصدار شهادات استثمار فى مشروع حفر قناة السويس الجديدة وطرح سندات أذون خزانة ورفع سعر الفائدة على الودائع" ولجأت أيضاً إلى وسائل خارجية لتمويل مشروعات أخرى تتطلب عملات أجنبية "مثل محطات الكهرباء والعاصمة الجديدة وغيرها" من خلال الاقتراض المباشر وغير المباشر والتمويل من خلال المشاركة وإصدار سندات دولارية أيضا، ويتضح لنا أن هذا الجمع بين النوعين من وسائل التمويل كان ضرورة ملحة، لأن مصر تريد تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة فى أقل وقت ممكن، مما دفع السياسة الاقتصادية إلى استخدام الأدوات المالية والنقدية المتاحة للتوسع فى الاستثمار وإلى تقييد الاستهلاك فى صالح الادخار وذلك لمعالجة الوسائل الداخلية فى التمويل.

أما بخصوص التمويل من الخارج فإننا نستبعد دور السياسة الاقتصادية "خاصة المالية" لأن هذا النوع من التمويل يرجع بالدرجة الأولى إلى العلاقات الدولية بين مصر ودول العالم والمؤسسات المانحة وحسب الظروف السياسية والاجتماعية ومتانة علاقاتنا الدولية بالآخر وتحسن مركز مصر الاقتصادى من خلال ما تم من بعض الإجراءات الإصلاحية، وإن كنت أرى أن هذا ليس هو السبب الأهم الآن فى التحول الإيجابى فى علاقتنا الدولية مع الآخر، فالحق أن هذا النوع الخارجى من التمويل قد لعبت الدول العربية فيه دوراً واضحاً منذ تولى الرئيس السيسى الحكم وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان، والأمر يرجع فى النهاية إلى الجهد الذى بذل من قبل الإدارة المصرية لإعادة مكانة مصر فى منطقة الشرق الأوسط.

ولكن لكى نكون موضوعين، يجب التخلص تدريجياً من وسائل التمويل الأجنبى وأن نقلص الدين الداخلى والخارجى، حتى لا تتحمل الأجيال القادمة أعباء الدين الداخلى والخارجى وفوائدهما، وأن ننظر إلى الاقتراض بغرض التنمية على أنه شر لابد منه مرحلياً وليس عنصراً أساسياً من عناصر تكوين هيكل الاقتصاد المصرى المستقل لكى نكون دولة متقدمة فى أسرع وقت ممكن.

* أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة