سعيد الشحات

ورد ورماد

الأحد، 03 يناير 2016 07:40 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هكذا رأيت جانبا من صورة مصر فى المغرب


«كدت أبصق على وجه أبى عندما سمعته يقول لها عنى: إنه يلبس معطف المخنثين (يقصد مينى معطف) وله لحية شيطان وشعر «هداوة».أنت قد تقول لى بأنها أشياء بسيطة غير ذات أهمية يقولها أب عن ابنه، لكنها سفالة، أحيانا أفكر فى أن الإبداع يصير لعبة صادقة وحياة أصحابها صدقا كاذبا».

المقطع السابق هو جزء من رسالة كتبها الروائى المغربى الرائع محمد شكرى إلى صديقه الروائى والأكاديمى المغربى المعروف محمد برادة، والرسائل المتبادلة بين الاثنين تأتى فى كتاب «بعنوان ورد ورماد»، الصادر عن «قطاع الثقافة» التابع لـ«أخبار اليوم»، وهذا القطاع الذى يديره المبدع عزت القمحاوى، أصبح بإصداراته الإبداعية من علامات الإشعاع الثقافى فى مصر رغم عمره القصير، والتحية واجبة لـ«القمحاوى» على اختياره لنوعية العناوين التى صدرت حتى الآن، وآخرها عنوان «ورد ورماد» الذى بين أيدينا، فهو فوق أنه لقامتين عظيمتين فى الأدب العربى الحديث، يحمل إلينا فى المشرق جانبا من الحالة الثقافية والإبداعية فى المغرب، وأذكر أننى كنت فى زيارة إلى المغرب شهر يناير من العام الماضى، وكان اسم قامات ثقافية وفكرية وفنية مصرية حاضرا بقوة فى لقاءاتى المتعددة مع أشقاء مغاربة، تحدث معى البعض عن طه حسين ومكانته فى الفكر العربى، وعباس محمود العقاد، ونجيب محفوظ ويوسف إدريس، وبهاء طاهر، وصنع الله إبراهيم، والكاتب الصحفى محمود عوض وكتابه «أفكار ضد الرصاص».

أما الحديث عن الفن المصرى فكان له ذائقة جميلة، خاصة حين تجد الباعة فى المحلات والأسواق والناس فى الشوارع يحدثونك عن أم كلثوم فى كل أغنياتها، وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب وبليغ حمدى وذكريات كل هؤلاء فى المغرب وعلاقتهم بالعاهل المغربى الراحل الملك الحسن الثانى منذ ستينيات القرن الماضى وحتى رحيل أم كلثوم عام 1974 وعبدالحليم عام 1977، أما تأثير الأفلام والمسلسلات المصرية فوجدته من إتقان البعض للهجة المصرية حتى يخيل لمن يسمعها أن المتحدث بها هو مصرى، ثم تكتشف أنه مغربى يحفظ أسماء الشوارع والقرى والشخصيات من أفلام ومسلسلات مصرية.

هكذا رأيت جانبا من صورة مصر فى المغرب، أى صورة «المشرق» فى «المغرب»، ولعب الإبداع دورا رئيسيا فيها، وبالمثل فإنه من الضرورى الاعتماد على الإبداع فى المغرب كى ينقل لنا صورة ثرية عن واقعه وناسه وحضارته، وبالتالى فإن ما فعله «قطاع الثقافة» بقيادة «القمحاوى» هو خطوة بالغة الامتياز فى طريق العلاقة بين «المشرق» و«المغرب»، خاصة أن مادته الإبداعية وكما قلنا تعتمد على قامتين فى تاريخ الإبداع العربى، ليس هذا فحسب، بل إن واحدا منهما هو محمد برادة هو مغربى بـ«هوى مصرى»، وعاش فى مصر وتعلم فيها، ومن مؤلفاته النقدية كتاب مهم عن «محمد مندور» رائد النقد الأدبى فى مصر، وروايته «مثل صيف يتكرر» وهى كما قيل عنها: «قصيدة عشق مغربى لمصر»، وهى رواية أقرب للسيرة الذاتية عن فترة إقامة «برادة» فى مصر للدراسة منذ نهاية خمسينيات القرن الماضى، ويسترجع فيها لحظة إعلان الرئيس جمال عبدالناصر لتأميم قناة السويس (26 يوليو 1956)، وتطوعه مع زملائه المغاربة للدفاع عن مصر فى مواجهة العدوان الثلاثى (29 أكتوبر 1956)، كما يتحدث «برادة» فى روايته عن صداقته مع الشاعر العظيم صلاح جاهين، وأول مرة رأى فيها الموسيقار سيد مكاوى عند جاهين، وتردده على دور السينما فى القاهرة ورحلته للأقصر وأسوان، وهكذا فنحن أمام مبدع مغربى معجون بحب مصر، وأصبح بعد عودته من مصر رسولا بين قومه يحمل رسالة محبة عن مصر وأهلها وأرضها، والمبدع الثانى فى الكتاب هو «محمد شكرى» الذى يعد من أعلام الإبداع العربى، وعرفه المصريون من روايته «الخبز الحافى» والتى تحمل جانبا من سيرته الذاتية بكل ما فيها من صراحة موجعة عكست حالته كروائى وصعلوك، وعبر هذه الرواية انتبه المهتمون فى مصر إلى أن هناك قامة وقيمة أدبية رفيعة فى المغرب.. يتبع.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة