الانتهازية والثورية فى تونس وغيرها
مشكلة تونس اليوم اقتصادية، وبالأساس اجتماعية، والعاطلون هم من يشعلون المظاهرات، وتونس خلال خمس سنوات فقدت أهم مصادر دخلها، وتحتاج إلى معجزة فى التنمية لتعوض ما فاتها، وهو أمر يعرفه الرئيس الحالى الباجى قايد السبسى وحكومته، ويعرفه أيضا بكل تأكيد الرئيس السابق المنصف المرزوقى، لكنه يتجاهله هذه المرة، ويسعى لتوظيف المظاهرات للانتقام من خصمه فى الانتخابات الأخيرة السبسى، ويدعو لانتخابات مبكرة.
المرزوقى يدعو لانتخابات مبكرة بعد عام واحد فقط، بينما تولى الرئاسة الانتقالية لثلاث سنوات و18 يوما، ويفترض أنه يعرف أن مشكلات تونس اقتصادية واجتماعية، و هو نفسه عجز طوال فترة رئاسته عن مواجهتها، بل إن فترته شهدت اغتيالات وتهديدات، منها اغتيال المعارض شكرى بلعيد، الذى كان أحد من اتهموا المرزوقى بالتحالف مع النهضة الإخوانى، المرزوقى لم يقدم قتلة بلعيد، وشهد عهده كثيرا من التظاهرات والعمليات المتطرفة والإرهابية، وقف حيالها عاجزا، لكنه يتهم اليوم قطاعا مما يسميه «اليسار الاستئصالى» وجزء من الحزب الحاكم نداء تونس، بتوجيه المظاهرات لوجهة أخرى، ويقول: «إن البدائل يجب أن تكون من داخل المنظومة الديمقراطية، من خلال العودة إلى الانتخابات».
المرزوقى يتصرف بانتهازية، ربما لعلمه أنه لن يفوز فى أى انتخابات مقبلة، بعد أن فقد الكثير من الأصوات، وقد كان أثناء تولى الرئاسة يتجول فى الدول العربية، طلبا للدعم، وحصل بالفعل على دعم من الإمارات العربية، لكنه خرج ليتهم الإمارات بأنها وراء الثورة المضادة، ويمدح قطر ويرى أن التمويل القطرى أفضل من التمويل الإماراتى، ويقول كلاما مضحكا عن أن الدوحة دولة «ثورية» تؤيد الثورات، ونتائج ثوريتها ظاهرة فى ليبيا وسوريا والعراق، والمرزوقى الوحيد الذى يراها إمارة ثورية، ربما لأن الثورية تعنى النهضة، وهى الفصيل الوحيد الذى يمكن أن يعيد الرجل للسلطة، بينما كان عليه أن يعتزل ويتفرغ لبناء بدائل سياسية كما أعلن.
كل هذا يكشف مدى الانجذاب المرزوقى والانتهازية التى تدفعه، وهو الرئيس السابق الذى فشل فى مواجهة المشكلات، وإذا كان يدفع الهجوم على السبسى بأنه ينتمى للماضى وأنه عجوز، فإن المرزوقى 70 سنة، فضلا عن أنه هو أيضا صار ينتمى للماضى، وهو أمر يكشف مدى ما أصاب المرزوقى بعد خسارته فى انتخابات، كان يتصور أنه سيكتسح فيها.
مظاهرات العاطلين فى تونس تطالب بمكافحة الفساد والواسطة، وهى أمور فشل المرزوقى فى مواجهتها طوال 3 سنوات، بينما يرى أن منافسه لم يواجهها فى عام، وهو نفس ما نراه من نماذج تتقافز حولنا، لا تعنيها أكثر من أن تكون فى الصورة حتى ولو على حساب وطنها وشعبها، ربما لهذا لا يصدق التونسيون المرزوقى الذى جربوه، ولم يصدقوه، وربما عليه أن يمارس المنافسة بنزاهة، ويحترم إرادة الشعب التونسى، بدلا من أن يحمل مظلة بعد أن يتوقف المطر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة