خالد بريش يكتب.. الموريسكى الأخير رواية الثورات المجهضة

الجمعة، 22 يناير 2016 07:09 م
خالد بريش يكتب.. الموريسكى الأخير رواية الثورات المجهضة الكاتب والشاعر صبحى موسى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أكثر من خمسة قرون تفصلنا عن سقوط الأندلس وما زالت تلك الفاجعة تلهم كثيرين من الأدباء والشعراء، وتأتى رواية الكاتب والشاعر صبحى موسى "الموريسكى الأخير" لتأخذ مكانا لا تنازعها عليه الروايات التى تناولت هذا الموضوع لا لكونها ليست بكاء على الأطلال، بل لأنها تأريخ للحاضر من خلال الماضى واستعادة لأيام مجيدة عاشتها مصر العروبة خلال ثورة يناير فى قالب جديد جعل الماضى والتاريخ قسيمها، فتناولت ما حدث بعد سقوط الفردوس الأندلسى من ثورات للموريسكيين الذين اضطروا مجبرين إلى اعتناق المسيحية بفعل التعذيب والضغوطات وهربا من إذلال محاكم التفتيش على أمل أن يأتى يوم أفضل تعود فيه المياه إلى مجاريها، وألقت الضوء على معاناتهم وتشردهم فى البلاد وتمزقهم الداخلى والروحى وذلك فى خط متواز مع الواقع مقربة المسافة بين حدثين فى بيئتين مختلفتين موحدة بينهما ذاتا ومضمونا بالرغم من التباعد الزمنى والجغرافى طالما أن الغربة الاجتماعية والظلم والتفرقة والاضطهاد والقمع والاستغلال وانعدام العدالة وتكميم الأفواه عوامل مشتركة بينهما.

يتنقل بنا الكاتب صبحى موسى عبر سطور روايته من حادث إلى آخر وكأن الحكيم الأندلسى أبا البقاء الرندى قد رسم له الخطوط العريضة لسطوره عندما قال:
هى الأيام كما شاهدتها دول من سَرَّهُ زمنٌ ساءَتْهُ أزمانُ
وهذه الدارُ لا تبقى على أحدٍ ولا يدوم على حالٍ لها شانُ

وهذا الانتقال بين الأحداث التاريخية يتم برشاقة الأصابع المتنقلة على أصابع البيانو فتبعث فى دواخل القارئ لحنا خاصا فى طياته عبق ذكريات بسبب تلك الأحداث التى بعضها مؤلم وآخر مفرح اختارها الكاتب بعناية لتؤدى دورا يوظفه فى تكاملية المشهد مما يكسب النص رمزية وبعدا سياسيا وتاريخيا دون الدخول فى تفاصيل تلك الأحداث فيكون مرور القارئ عليها كمروره على محطة قطار لبلد ما فيتنسم ريحها دون الدخول إليها... فانفصال سورية عن مصر فى الستينات من القرن الماضى سبب جرحا يجد له فى جرح الموريسكيين بتركهم للأندلس شبها... مرورا بهجوم الفرنسيين على الإسكندرية وحملة فريزر ودخول خير الدين بربروسا ذو اللحية الحمراء فى قلب الحدث كواحد من أبطال التاريخ الذين يبحث عنهم الكاتب فى كل دفاتر الماضى ليستدعيهم إلى الحياة فى عباراته وبين سطوره، متوجا تلك الأحداث بالحدث الأهم والذى يسير بخط متواز مع نضال الموريسكيين ألا وهو ثورة الشعب المصرى فى يناير ليكون الموريسكى المهزوم والمطرود من الفردوس الذى بنى فيه حضارته شاهدا على انبعاث شعب وقيامه بثورة تابعها العالم بإعجاب.. فيتوقف عند كبرى محطاتها فهذه تظاهرة تطالب بدم الشهداء فى ماسبيرو ومحمد محمود.

وهناك غوغاء واضطراب بعد اختفاء رجال الشرطة فجأة وبدون سابق إنذار. وذلك يوم استيقظت فيه القاهرة على الزغاريد والضحكات المتعالية كمدينة لم تذق طعم الفرح يوما.. إنها الثورة وفى أثنائها يكون الجميع رهن الموت الغير محزن بحد ذاته ولكن العذاب على وجه الأرض من أجل هذا الموت لهو أشد قسوة. يركب القارئ محمل الكاتب المتلاطم مع أمواج وأحداث روايته ليجد نفسه فجأة مع حدث آخر وعصر مختلف بينما مشاعره وكله ما زال مع البدايات..

وعندما يتناول الكاتب حدثا من التاريخ فإنه يهدف فى الواقع إلى تصوير الحاضر الأليم بعناية فائقة فذلك الاعتداء على الموريسكية الزهراء بعد ثورة أهلها لا يمكنك أن تفهمه بعيدا عن الاعتداء على المتظاهرات الخارجات من ميدان التحرير وانتهاك عِرْضهن... وعندما يتحدث عن ممارسة الموريسكيين لعباداتهم التى غدت تشبه الطقوس وقد تجردت عن روحها ومعانيها فإنه يسربل القارئ فى الحاضر حيث التلهى فى القشور وصغائر الأمور كالتدخل فى أمر الشيشة وفتاوى تحريمها.. أما عندما يتعرض لقضية اختيار القائد فى ثورة البشرات الموريسكية فإنه يشير إلى حدث آخر وهو عدم اختيار القائد خلال ثورة يناير فتم الأمر فى المكاتب المغلقة مؤكدا أن الثورات الغير مكتملة غالبا ما تكون نتائجها وخيمة.

ولا يحصر فى سرده القضايا التى يطرحها فى مصر ومشاكلها فقط بل يتعرض لمأساة الشعب الفلسطينى ولكن دون أن يسميها فيقرع أبواب ذاكرة القارئ وتتداخل الأمور عليه عندما يحدثه عن جموع الأندلسيين البائسين وهم يخرجون من بلادهم مشتتة صفوفهم ومفاتيح بيوتهم بأيديهم وسط حالة من الحزن والبكاء: فوقفنا وحدنا ننتظر ضياع ملكنا حصنا وراء حصن، وقطعة تلو أخرى.. مواعدين أنفسهم بالعودة عما قريب، لكون سلاطين المسلمين لن يتركوا ديار الإسلام تضيع.. فيخاطبهم: الحق مهما طال لا يسقط طالما وراءه مطالب.. واعلم أيها الإنسان أن حياتك بقاء لمن مات، وموتك بقاء لمن أجرم.

ولا تغيب السلفية الوهابية والتطرف الدينى عن سطوره فنجده يلقى اللوم فى ذلك بطريقة غير مباشرة على إبراهيم باشا كونه لم ينجز الأمر كما يجب فى حملته التى قام بها على الوهابيين وكأن ذلك درس لكل ثورة لم تنجز أهدافها كاملة. ولا ينسى الإشارة للصراع الخليجى الإيرانى ولا إلى السنى الشيعى وحرية الصحافة والاستحواز على المنصات الإعلامية والصحافية وشراء الكتبة والفنانين ولا فتاوى رجال الدين بحق الأدباء والمفكرين ومن ثم محاكماتهم التى تشبه إلى حد بعيد محاكم التفتيش.

وفى النهاية تعتبر رواية الموريسكى إعادة نظر بالثورات ابتداء من الموريسكيين وبربروسا وعرابى وغيرها من الثورات وخصوصا ثورة مصر الأخيرة التى حدثت على مجتمع مأزوم حكمه منذ القديم الكهنة القابعون فى غرفهم المظلمة... لتطرح أفقا للتغير قائما على قراءة متعمقة للتاريخ وهضمه والابتعاد عن القدرية المتمثلة فى المقولة التى ترددت أكثر من مرة ضمن السطور : كل شيء بكتاب.. وعندما يتساءل آخر أبطاله مراد: هل نستسلم؟ ألا يوجد أمل؟..

يكون الجواب فى كلام أحد أجداده الموريسكيين خلال ثورتهم على الاسبان: إن الموت على خشبة التعذيب لأشرف لنا من خنادق الجبن التى نعيش فيها.. ولكنه فى نفس الوقت يحذرة لأن المعارك سوف تكون أطول مما يُتوقع لها فى بلد أصبحت العشوائية فيه نظام حياة وأنه لابد من الاستمرار وأن الدماء لا تموت.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة