أقل من ثلاثة أشهر تفصل بين زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى المهمة للصين وزيارة الرئيس الصينى شى جين بينج إلى مصر المقررة اليوم وغدا، ما جرى فى المسافة الزمنية القليلة الكثير من التقارب وتبادل الخبرات والاستفادة من التجارب الاقتصادية وزيادة الاستثمارات وتوقيع الاتفاقيات المهمة لمصر فى مجالات عديدة. العلاقات التاريخية بين البلدين، رغم التباعد السياسى أحيانا، نتيجة الهوى المصرى فى الاتجاه غربا، وتحديدا نحو واشنطن منذ نهاية السبعينيات وحتى نهاية عصر مبارك، كانت الداعم الأكبر فى الإسراع بتطوير العلاقات بين القاهرة وبكين الذى يجمع بينها تاريخ سياسى مشترك وعلاقات إنسانية فريدة جمعت بين الزعيمين المصرى جمال عبدالناصر والصين شواين لاى، وكانت مصر وقتها زعيمة العالم الثالث التى وقفت إلى جانب الصين واعترفت بها داخل الأمم المتحدة.
زيارة الرئيس الصينى لمصر هى أول زيارة لرئيس صينى منذ 12 عاما، وبالمناسبة فهى تتزامن مع الذكرى الستين للعلاقات المصرية- الصينية، وتأتى فى ظل الاهتمام المصرى، والحرص على إعادة التوازن للعلاقات الخارجية، وإصلاح ما كان بها من خلل فى التوازن الدولى وخاصة أن مصر والصين يتمتعان بعلاقات ثنائية متميز ومتفردة منذ عام 1956 ثم حدث التراجع والانحسار، ومع ذلك ظلت الصين على مواقفها الداعمة لمصر دائمة فى كل قضاياها الخارجية.
حتى أصبحت النموذج فى الإنجاز والتنمية وفى الجهد والإخلاص والعمل.. وهذا هو سر العبقرية الصينية رغم عدد سكانها المهول- 1.4 مليار نسمة- الذى أصبح هو سر المعجزة الصينية فى التقدم والتنمية والسير نحو التربع على عرش الاقتصاد العالمى.
المعجزة الصينية التى نراها الآن ونتطلع لاستنساخ بعض تجاربها هنا فى مصر، مكمن أسرارها هو الإنسان الصينى وطبيعة تكوينه الأخلاقى والدينى ونشأته الاجتماعية التى تدمن العمل والإنتاج والإتقان والتفانى والإخلاص والجد والمثابرة، حتى أصبح الشعب كله «إيد عاملة واحدة» لا هم لها سوى الإنتاج برغم كثير من المشاكل والتحديات الداخلية والخارجية، فى غضون السنوات القليلة الماضية، استطاع الاقتصاد الصينى أن يقفز قفزة كبيرة، متحديا ومنافسا لاقتصاديات الدول الكبرى، ليصبح ثانى أكبر اقتصاد فى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى عكس ما يثار بأن التعداد السكانى يعد عاملا سلبيا، فإن الصين استطاعت من خلال الأيدى العاملة والتخطيط الناجح أن تفتح أسواقا جديدة وتنمى من تجارتها الخارجية وهو ما يصيب العالم الغربى والأمريكى على وجه الخصوص بالرعب، القلق الأمريكى ليس فقط من النمو الاقتصادى للتنين الصينى، وإنما أيضا من النمو العسكرى الصينى، وزيادة حجم الإنفاق التى يقدرها البنتاجون خلال عام 2020 بحوالى 200 مليار دولار، ورغم ذلك الصعود فعندما تسأل مسؤولا صينيا عن صحوة التنين يجيبك فى أدب جم وتواضع: «نحن مازلنا دولة نامية نحاول أن نعمل ونجتهد ولا نرغب فى أى مواجهات مباشرة مع أحد».
الرئيس السيسى فى زيارته الأخيرة للصين واطلاعه عن قرب ومشاهدة للتجربة الصينية جعلتنا نتفاءل للاستفادة من التجربة وليس استنساخها، فالتجارب لا تستنسخ ولكن يستفاد من بعض جوانبها، فالحث على العمل والإنتاج والثقة فى البشر والكتلة السكانية الرهيبة فى الصين هى أهم عوامل نجاح التجربة. الصين لم تنقطع عن تاريخها وعقيدتها السياسية والاقتصادية وإنما وضعت خطة إصلاح للتطوير دون التدمير وهذا أيضا سر النجاح.
زيارة الرئيس الصينى لمصر تحمل الكثير من الدلالات الاقتصادية والسياسية، والأهم أنها تعيد الألق والبهاء للعلاقات المصرية الصينية، وتستحضر «الزمن المصرى الصينى» أيام «ناصر- شواين لاى»، وعلينا أن نستفيد من الصين ونطلب منها العلم، ونحتذى بها فى العمل والإنتاج والإخلاص لتحقيق ما نحلم به، أو على الأقل نسير من خلاله على الطريق الصحيح للتنمية والازدهار.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة