الانبا ارميا

"الفقير الغنى"

الجمعة، 01 يناير 2016 10:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أهنئكم جميعـًا بعيد الميلاد الذى يحتفل به مَسيحيّو الشرق بعد أيام قليلة، متمنيـًا السلام لبلادنا "مِصر"، والشرق الأوسط، والعالم؛ فرسالة الميلاد هى رسالة فرح وسلام أعلنتها الملائكة للرعاة فى ميلاد "السيد المسيح": "... وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة".

وهٰذا الميلاد، الذى لم يشعر به أهل الأرض، اهتزت له السماء وأعلنته بعدة وسائل لمجموعات متنوعة من البشر، حيث حملت كل مجموعة مشاعر متباينة تُجاه ذٰلك الإعلان: فالرعاة فرِحوا بتسبحة الملائكة وإعلان الميلاد فأسرعوا ليرَوا "السيد المسيح" فى المذود مع أمه "السيدة العذراء" و"القديس يوسُف النجار"، فى الوقت الذى كانت الرسالة إلى المجوس ـ وهم حكماء من المشرق ـ عن طريق ظهور النَّجم الغريب فتتبعوه بفرح كبير إلى أن قدَّموا هداياهم أمام العائلة المقدسة، ووصلت أيضـًا الرسالة إلى الملك "هيرودُس" الذى رفضها وسببت له القلق والحُزْن الشديدين إذ كان اهتمامه منصبـًّا على منصبه ومكانته فلم يتمكن من إدراك الرسالة السمائية.
إن الميلاد هو رسالة الفرح إلى كل إنسان يسير فى دروب الحياة بحثـًا عن السعادة. وقد يظن البشر أن هناك طريقـًا محددًا لجلبها: فهناك من يظن أنها فى المال، وآخر يعتقد أنها فى وضع اجتماعى متميز يتمتع به، أو مزيد من العلم، أو سلطة... إلخ. إلا أن السعادة الحقيقية لا ترتبط بالأمور المادية، إذ أنها تنبُع من داخل الإنسان لا خارجه؛ كما أنها مستمرة لا تهتز وتتبدل بتغير الأمور والظروف التى تمر بحياة الشخص؛ فأعتقد أنها حالة ذهنية أكثر من أن تكون حالة من المشاعر.
وهنا أتذكر قصة قرأتُها عن رجل ثرى يملِك كثيرًا من الأراضى، وكان يعتز جدًّا بغناه ظانـًّا أنه أغنى رجل فى الوادي. وبينما هو يتطلع من شرفته، رأى أحد العاملين لديه، وكان شيخـًا ملأ الشيب رأسه، وتعلو البشاشة وجهه، فى ابتسامة عذبة ترسُم خطوطـًا من الأمل والبهجة على كل من يلقاه؛ وكان وقتئذ يبدأ فى تناول طعامه بعد عمل شاق فى حديقة الثرىّ، فإذا هو قليل من الخبز اليابس وقطعة صغيرة من الجبن! فتعجب الغنى من سعادته وهو على فقره هٰذا، وحيّاه قائلاً: أراك مسرورًا يا سام! أجابه العجوز: أشكر الله على عطاياه الدائمة لى يا سيدي. فسأله وقد ازداد عجبه: على أى شىء تشكره؟! الخبز الجاف وقطعة الجبن!! أجاب سام: نعم يا سيدي، فقد وهب لى اللَّه طعامـًا يقوينى على العمل، وثوبـًا أرتديه، وسريرًا أنام عليه!! وما قد جعل العجب يبلُغ أقصاه فى نفس الغنى حديث ذٰلك العجوز عن حلم عرف فيه أن أغنى رجل فى الوادى سيموت تلك الليلة !! فجزِع الغنى يفكر فى مصيره وهل حقًا سيتحقق الحلم بموته! إلا أن الأمر كان مختلفًا عن إدراك الغنى فلم يمضِ وقت طويل حتى شعر العامل العجوز بارتفاع فى درجة حرارته وقد ازداد به المرض جدًّا وساءت حالته، وفى ساعة متأخرة من الليل علِم الغنى أن عامله الشيخ قد مات؛ ليعلن أن أغنى رجل هو الشيخ العجوز!
نعم، إن السعادة الحقيقية تكمن فى أعماق الإنسان الذى يرى الإيجابيات فى حياته لا السلبيات، فيشعر برضًا وهُدوء يساعدانه على النمو والتقدم فى حياته.
ولا يمكننى أن أختِم حديثى دون أن أتطرق إلى سر السعادة الحقيقى الذى يكمن فى "العطاء": فإن سعادتنا تزداد كلما قدَّمنا إلى الآخرين ما يمكننا، وإن كان بسيطــًا! فعظمة العطاء فى المحبة التى يقدَّم بها، وقوة السعادة فى قدرة الإنسان على إسعاد الآخرين.
أتمنى لكم جميعـًا عامـًا مِلؤه السعادة والبهجة، وكل عام وجميعكم بخير.

• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسىّ.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

ماهر المصرى

كل عام وحضرتك بخير وسلام

فوق

عدد الردود 0

بواسطة:

اشرف

هناك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة