الأخوة الألغاز لدى جلال أمين «2»

بدأت أمس الحديث عن كتاب المفكر الكبير الدكتور جلال أمين «مكتوب على الجبين – حكايات على هامش السيرة»، الصادر عن «دار الكرمة»، وأستكمل.

يتحدث «جلال» من واقع رحلته عن الذين عرفهم وأحبهم أو كرههم، ووجدهم جميعا «ألغازا بشرية»، لا يستطيع أن يفهم كيف اجتمعت فيهم صفات متعارضة، جعلتهم يتصرفون تصرفات غير مفهومة بالنسبة له، بالرغم من أنهم ظلوا لمدة طويلة عنده واضحين تماما.

من الألغاز البشرية التى يذكرها، أتوقف عند العائلة، حيث يتحدث عن والده المفكر الكبير أحمد أمين وأمه، وثلاثة من أشقائه السبعة، يجذبنا إلى نموذج عبد الحميد، وفاطمة، وحسين، يذكر عما يراه هو فيهم حتى لو لم يعرفوه عن أنفسهم أو يعرفوه، يتحدث عن عبد الحميد صاحب الحس الأخلاقى القوى، النابه، المتفرد المثقف، الوطنى، الحاصل مبكرا على الدكتوراة فى الهندسة الكهربائية من لندن، وأخرى من ألمانيا، ثم عمله فى مصر بمركز البحوث.

توقف عبد الحميد فجأة عن عمله قبل أن يبلغ الأربعين، وظل على هذا الحال حتى توفى بعد أن تجاوز الثمانين بقليل، وبالرغم من تعلله بأنه أصيب بصدمة بالغة لنقل أجهزته من مركز البحوث دون علمه فتوقف، وقول زوجته النمساوية بأنه أرهق نفسه أكثر من اللازم فى الدكتوراة الثانية من ألمانيا، وإن ما أصابه جاء نتيجة هذا، إلا أن «جلال» يميل إلى تفسير ما حدث له بأنه ناتج عن تركيبته النفسية، فهو كان يجمع بين «ضعف الإرادة وقوة الحس الأخلاقى»، وفى كل الأحوال مات ومعه لغزه.

أما «فاطمة» فهى «أنثى ضد جميع الذكور»، متمردة لا تخفى شعورها السلبى نحو والدها، وزوجة عانى زوجها منها أكثر من أى شخص آخر، ومتقلبة ومثقفة وجذابة بدرجة لا تقاوم، وهى بكل هذه السمات ظلت لغزا لدى جلال حتى وفاتها، وعمرها يتجاوز الثلاثة وثمانين عاما.

أما حسين الأقرب إلى قلب جلال، فهو «رجل يتحدى العالم»، وتحت هذا المعنى عاش حياته: «يتحدى العالم ولا يقبل أن يعامله العالم نفس المعاملة، ومن ثم بدأت حياته سلسلة متصلة من نجاح فائق بسبب موهبته الحقيقية فى الكتابة، تليه صدمة قاسية وتقهقر شديد نتيجة لرد العالم على جرأته وتهوره، وبدأ ذلك عنده من سن الثمانية حتى رحيله، ويقول جلال : «هذا لغز آخر لم أستطع الوصول حتى الآن إلى حله».