إيران ترد على هزيمتها فى عدن باستغلال حادثة «مِنى» سياسياً.. المملكة العربية السعودية لم تستثمر الأحداث الإنسانية المأساوية التى تقع فى الأماكن الدينية الشيعية
الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015 04:57 م
حادث منى
تحليل يكتبه: محمد محسن أبو النور
اللافت بشكل أساسى فى سلوك إيران إزاء حادثة استشهاد 717 وإصابة 863 حاجا بمشعر مِنى، أنها الدولة الإسلامية الوحيدة من بين الدول الخمس والخمسين الأعضاء فى منظمة التعاون الإسلامى التى استثمرت الحادث، استثمارا سياسيا، وتعاملت بأسطولها الإعلامى مع الأمر باعتباره «مذبحة» وهو سلوك سيؤدى حتميا إلى تفاقم حدة صراعات الأمن والسلطة بالإقليم، فمع الإعلان عن الحادث بادرت إيران فورا وقبل انتظار مجرى التحقيقات الرسمية بتحميل السلطات السعودية المسؤولية الكاملة عن الفاجعة الإنسانية المروعة، بل وزادت على ذلك بأن طالبت بتدويل تنظيم مناسك الحج بين الدول الإسلامية الأعضاء فى المنظمة الكائنة بمدينة جدة على الشاطئ الشرقى للبحر الأحمر.
الغريب فى الموقف الإيرانى المتسرع، على غير العادة، أن إيران انتهجت النهج نفسه مع وقوع حادثة سقوط الرافعة، وأعادت النهج نفسه فى حادثة منى، ولم تبد حتى اتساقا مع الذات بالأحداث المأساوية المشابهة والتى تحدث سنويا فى المناطق المقدسة لدى المسلمين الشيعة فى النجف الأشرف بالعراق أو فى ساحة قبر الإمام الرضا فى مدينة مشهد عاصمة محافظة خراسان رضوى الواقعة بشمال شرقى الجمهورية الإسلامية. ولو كانت الحوادث الدينية تحسب بهذا المنطق لطالبت المملكة العربية السعودية، وهى التى لم تفعل مطلقا، بتدويل تلك المناطق الدينية التى يرتادها ملايين المسلمين الشيعة.
يخبرنا التاريخ القريب بأن المملكة العربية السعودية لم تستثمر الأحداث الإنسانية المأساوية التى تقع فى الأماكن الدينية الشيعية، على النحو الذى أبدته إيران، فقد شهدت منطقة قبر الإمام الرضا فى مدينة مشهد، المقدسة عند الشيعة، بدايات شهر يوليو الماضى حادثا ميلودراميا لا يقل كارثية عن حادث منى، إذ لقى نحو أربعين طفلا حتفهم بعد إصابتهم بالتسمم بعد وجبات أكلوها فى «المدينة المقدسة» بينهم أربعة سعوديين.
الرياض لم تنجر إلى فخ الطائفية فى تلك الحادثة، التى لم تأخذ حقها فى الزخم الإعلامى لاعتبارات متعددة، ولم تطالب بتدويل الحرم الرضوى، لكن الواضح بشدة أن إيران الآن وأكثر من ذى قبل هى الطرف المحرض على تأجيج نار الطائفية فى المنطقة، وهى الطرف الأكثر حرصا على استخدام الحدث فى صراعات المد والجزر بالإقليم، بالرغم من أنها لم تدفع تومانا «العملة الإيرانية المحلية» واحدا كتعويض عن ضحايا حادث المدينة المقدسة، وبالرغم من أن الحجاج الإيرانيين الأحد عشر الذين استشهدوا جراء سقوط الرافعة الشهيرة حصلت أسرة كل واحد منهم على مليارات التومانات «مليون ريال سعودى» من الحكومة السعودية «الريال السعودى يعادل نحو 8000 تومان إيرانى»، وهو رقم لا تحلم به 95% من الأسر الإيرانية فى ظل الوضع الاقتصادى المتردى الذى تشهده إيران منذ أكثر من 36 عاما، جراء العقوبات الدولية المفروضة على قطاعات اقتصادها الحساسة.
ربما لا تدرك إيران أن «إستراتيجية الضجيج المصطنع» التى تنتهجها طهران الآن قد تحدث شيئا ينال من سمعة الدولة السعودية، لكن المؤكد أنها ستكون أول المكويين بنار الطائفية على المدى القريب؛ إذ أثبتت وقائع التاريخ أن اللعب بالنار يحرق لاعبيها.
هكذا تبدو حسابات إيران فى صبغ الحادث الإنسانى المأسوى لحجاج بيت الله الحرام بصبغة سياسية، خاطئة كليا، ولن تؤدى إلا إلى تأجيج الأوار الحادة فى المنطقة ومعه تبدو إسرائيل التى تهاجمها إيران باستمرار أكثر ارتياحا فى مساحة سياسية بعيدة عن مناطق الصراع فى الإقليم، بعد أن ابتلعت إيران الطُّْعْم وساعدت بإجراءاتها المتواضعة سياسيا على تحويل الصراع العربى/ الإسلامى الإسرائيلى إلى صراع شيعى سنى لا يخدم فى المحصلة إلا استقرار إسرائيل وإعاقة سبل التوصل إلى تسويات شاملة فى ملفات الإقليمية المستعرة.
على كل حال يبدو أن إيران هالها مشهد نزول الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى من طائرته الرئاسية فى مطار عدن؛ فقررت رد الهزيمة القاسية فى تلك الجولة للرياض فى واقعة مِنى، ومع كل هذا يبقى على السلطات السعودية أن تتعامل بتروٍّ وهدوء مع السلوك الإيرانى الراهن وتكتفى بإظهار الحقائق المجردة إلى الرأى العام، والتحرك السريع فى أروقة المؤسسات الدولية لإظهار مدى خطورة الممارسات الإيرانية على الأمن والسلم الإقليميين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اللافت بشكل أساسى فى سلوك إيران إزاء حادثة استشهاد 717 وإصابة 863 حاجا بمشعر مِنى، أنها الدولة الإسلامية الوحيدة من بين الدول الخمس والخمسين الأعضاء فى منظمة التعاون الإسلامى التى استثمرت الحادث، استثمارا سياسيا، وتعاملت بأسطولها الإعلامى مع الأمر باعتباره «مذبحة» وهو سلوك سيؤدى حتميا إلى تفاقم حدة صراعات الأمن والسلطة بالإقليم، فمع الإعلان عن الحادث بادرت إيران فورا وقبل انتظار مجرى التحقيقات الرسمية بتحميل السلطات السعودية المسؤولية الكاملة عن الفاجعة الإنسانية المروعة، بل وزادت على ذلك بأن طالبت بتدويل تنظيم مناسك الحج بين الدول الإسلامية الأعضاء فى المنظمة الكائنة بمدينة جدة على الشاطئ الشرقى للبحر الأحمر.
الغريب فى الموقف الإيرانى المتسرع، على غير العادة، أن إيران انتهجت النهج نفسه مع وقوع حادثة سقوط الرافعة، وأعادت النهج نفسه فى حادثة منى، ولم تبد حتى اتساقا مع الذات بالأحداث المأساوية المشابهة والتى تحدث سنويا فى المناطق المقدسة لدى المسلمين الشيعة فى النجف الأشرف بالعراق أو فى ساحة قبر الإمام الرضا فى مدينة مشهد عاصمة محافظة خراسان رضوى الواقعة بشمال شرقى الجمهورية الإسلامية. ولو كانت الحوادث الدينية تحسب بهذا المنطق لطالبت المملكة العربية السعودية، وهى التى لم تفعل مطلقا، بتدويل تلك المناطق الدينية التى يرتادها ملايين المسلمين الشيعة.
يخبرنا التاريخ القريب بأن المملكة العربية السعودية لم تستثمر الأحداث الإنسانية المأساوية التى تقع فى الأماكن الدينية الشيعية، على النحو الذى أبدته إيران، فقد شهدت منطقة قبر الإمام الرضا فى مدينة مشهد، المقدسة عند الشيعة، بدايات شهر يوليو الماضى حادثا ميلودراميا لا يقل كارثية عن حادث منى، إذ لقى نحو أربعين طفلا حتفهم بعد إصابتهم بالتسمم بعد وجبات أكلوها فى «المدينة المقدسة» بينهم أربعة سعوديين.
الرياض لم تنجر إلى فخ الطائفية فى تلك الحادثة، التى لم تأخذ حقها فى الزخم الإعلامى لاعتبارات متعددة، ولم تطالب بتدويل الحرم الرضوى، لكن الواضح بشدة أن إيران الآن وأكثر من ذى قبل هى الطرف المحرض على تأجيج نار الطائفية فى المنطقة، وهى الطرف الأكثر حرصا على استخدام الحدث فى صراعات المد والجزر بالإقليم، بالرغم من أنها لم تدفع تومانا «العملة الإيرانية المحلية» واحدا كتعويض عن ضحايا حادث المدينة المقدسة، وبالرغم من أن الحجاج الإيرانيين الأحد عشر الذين استشهدوا جراء سقوط الرافعة الشهيرة حصلت أسرة كل واحد منهم على مليارات التومانات «مليون ريال سعودى» من الحكومة السعودية «الريال السعودى يعادل نحو 8000 تومان إيرانى»، وهو رقم لا تحلم به 95% من الأسر الإيرانية فى ظل الوضع الاقتصادى المتردى الذى تشهده إيران منذ أكثر من 36 عاما، جراء العقوبات الدولية المفروضة على قطاعات اقتصادها الحساسة.
ربما لا تدرك إيران أن «إستراتيجية الضجيج المصطنع» التى تنتهجها طهران الآن قد تحدث شيئا ينال من سمعة الدولة السعودية، لكن المؤكد أنها ستكون أول المكويين بنار الطائفية على المدى القريب؛ إذ أثبتت وقائع التاريخ أن اللعب بالنار يحرق لاعبيها.
هكذا تبدو حسابات إيران فى صبغ الحادث الإنسانى المأسوى لحجاج بيت الله الحرام بصبغة سياسية، خاطئة كليا، ولن تؤدى إلا إلى تأجيج الأوار الحادة فى المنطقة ومعه تبدو إسرائيل التى تهاجمها إيران باستمرار أكثر ارتياحا فى مساحة سياسية بعيدة عن مناطق الصراع فى الإقليم، بعد أن ابتلعت إيران الطُّْعْم وساعدت بإجراءاتها المتواضعة سياسيا على تحويل الصراع العربى/ الإسلامى الإسرائيلى إلى صراع شيعى سنى لا يخدم فى المحصلة إلا استقرار إسرائيل وإعاقة سبل التوصل إلى تسويات شاملة فى ملفات الإقليمية المستعرة.
على كل حال يبدو أن إيران هالها مشهد نزول الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى من طائرته الرئاسية فى مطار عدن؛ فقررت رد الهزيمة القاسية فى تلك الجولة للرياض فى واقعة مِنى، ومع كل هذا يبقى على السلطات السعودية أن تتعامل بتروٍّ وهدوء مع السلوك الإيرانى الراهن وتكتفى بإظهار الحقائق المجردة إلى الرأى العام، والتحرك السريع فى أروقة المؤسسات الدولية لإظهار مدى خطورة الممارسات الإيرانية على الأمن والسلم الإقليميين.
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة