الفساد لا يأتى بغتة، خلافاً للموت الذى كثيرا ما يأتى فجأة، والموت حقيقة مؤكدة وهو علينا حق، تلك قاعدة للحياة أرساها رب العباد –سبحانه وتعالى- ومن رحم الموت تولد الحياة بإذن الله، أما الفساد فهو يخضع للنواميس البشرية لأنه بالتأكيد من صنع الإنسان!
إن تحول الفساد لمنهج حياة لهو الخطر بعينه على مستقبل مصر فى المنظور القريب، بل على الأمد الطويل الذى نسعى لأن نرسى أسسه ودعائمه من الآن، ولعلى أستحضر التصريح الشهير لرئيس ديوان جمهورية مبارك حين وصف حالة المحليات بأنه "فسادٌ للركب"، فى أهم قاعدة لإقامة حياة برلمانية سليمة، وهو أمر مثير للاشمئزاز لأن البنيان يصلح بصلاح القاعدة، ومثير للدهشة أيضا لأن المُصرح كان لاعباً أساسياً فى مؤسسة الرئاسة فضلا عن عضويته بمجلس الشعب عن دائرة الزيتون!
إننى لا أخشى على الأمة المصرية من أى أمرٍ آخر سوء انتشار الفساد فى المؤسسات الحكومية انتشار النار فى الهشيم، ومصر المحروسة عودتنا على أنها تمرض ولكنها -بإذن الله تعالى- لن تموت. فساد استشرى من عهد مبارك حتى زكم الأنوف وبلغ الحلقوم وضرب فى مفاصل الدولة حتى ليظن المرء بأن معالجته ومحاربته باتت عسيرة ولا أقول مستحيلة، متى توفرت نية جادة للضرب بيد من حديد عليه وعلى المفسدين!
يقول مهاتير محمد :"حاربنا الرشوة فى الحكومة وعاقبنا المرتشى فقضينا على الفساد"، و لا شك أن محاربة الفساد مع تطبيق نظام تعليمى عصرى كانا كفيلين بإيقاظ ماليزيا و تعافيها بعد أن كادت أن تموت إكلينكياً!
إن أمر القبض على وزير الزراعة بعد إقالته، بقدر ما أسعدنى بأن العهد الحالى لا تستر فيه على فاسد او مُفسد -و هو امر يُحسب للرئيس عبد الفتاح السيسي- بقدر ما ازعجنى و اقلقنى على أمور أخرى أبسطها أننا لم نحسن إختيار وزرائنا، عملاً بمبدأ الوقاية خيرٌ من العلاج!
يقينى أن المتهمَ برئ حتى تثبت إدانته، لكن أمر توزير وزير على وزارة هامة و حيوية مثل وزارة الزراعة لأكثر من سبعة أشهر و إتهامه بالفساد بعد ذلك، لهو أمر ليس يسيراً فى مؤسسة هدفها الاساسى إطعام الشعب و الحفاظ على الرقعة الزراعية من التآكل بل وتنميتها تلك وزارة تولى أمرها عمالقة مثل المهندس سيد مرعى و غيره!
إن العتب على الأجهزة التنفيذية مثل مجلس الوزراء واجب، و اللوم يطال أيضاً الاجهزة الرقابية مثل النيابة الإدارية و الجهاز المركزى للمحاسبات و مباحث الاموال العامة بل و الامن الوطني،، فكيف نوزر وزيراً قبل التحقق من سيرته الذاتية و تاريخه!
نعلم أننا فى بلدٍ إستمرأ فيها الفساد و أنه لا يهبط على المفسد و الفاسد بالبراشوط، فالجينات الوراثية تلعب دورا أحياناً و البيئة المحيطة وغياب الدور الرقابى تكون فى أحايين كثيرة ارضاً خصبة لترعرع الفاسد وشجرة الفساد، وتلك – فى يقيني- لم تكن المرة الاولى لفساده ولن تكون الاخيرة إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولا و يتوب عليه !
أعلم أن تركة مبارك و من بعده مرسى ثقيلة، وأن العبء يكاد يلوى أعناق الرجال والإصلاح صعب وأعلم أن الله قيض لمصر رجالاً مخلصين لكن الإخلاص وحده ليس كافياً بل الحذر واجب و تحرى الدقة أكثر وجوباً فى إختيار المسئول، و الأمة مؤدية إلى الله ما أدى الإمام إلى الله و المرء لا ينجح وحده فقط بل بتكاتف المعاونين له.
إن مشكله مصر إدارياً تكمن فى عدم وجود صف أول و ثانى جاهز و مستعد لتحمل المسئولية و تبعاتها بعد تجريف متعمد لكفاءات إدارية فى عهد مبارك و إنتشار المفسدين فى غيابٍ متعمد للأجهزةِ الرقابية، لكن الرجاء معقود، و التحلى بالصبر واجب و الأمل ما زال موجوداً، ببزوغ فجر جديد لجمهورية بلا فساد!
حفظ الله مصر، و وقاها الله شر الفساد و المُفسدين، وطاب نهاركم!
رشوة - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة