نقلا عن العدد اليومى...
فى زمن وصلت فيه مصر للمركز الثانى عالميًا فى معدلات التحرش الجنسى، لم يعد العيد فى مصر موسمًا خاصًا باللحمة أو الذبح، أو العيدية، والزيارات والاحتفال فحسب، بل أصبح موسمًا خاصًا بالتحرش الجنسى المتكرر عامًا بعد آخر فى الأعياد بشكل خاص، فعلى مدى أعوام طويلة تحولت الشوارع المصرية فى الأعياد إلى مساحة مفتوحة للمتحرشين، وتحولت الفتيات اللاتى دفعهن الخطأ أحيانًا، أو الحظ العاثر أحيانًا أخرى للنزول فى العيد إلى فرائس يتم مهاجمتها بعنف فى الأعياد سنويًا، كما تحولت الحركات المناهضة للتحرش ومنظمات المجتمع المدنى المعنية برصد الظاهرة إلى غرف عمليات مغلقة تعمل سنويًا على قدم وساق لرصد «التحرش السنة دى»، وتخصيص خطوط ساخنة لنجدة الفتيات، هذا إلى جانب عشرات القصص والتجارب التى تجمعها الفتيات سنويًا عن التحرش الجنسى الذى لم تسلم منه فتاة أو سيدة مصرية تعرضت للتحرش، أو عاشت معه قصة من نوع خاص، سواء اختارت أن تحكيها، أو فضلت الصمت على جرح لا تفهمه سوى البنات.

آلاف القصص عن التحرش من الممكن أن تستمع إليها يوميًا من كل «ست» فى حياتك، أمك كانت أو أختك وكذلك زوجتك، وفى السطور التالية نستعرض 3 سيناريوهات تمر بها كل فتاة مع التحرش، وجدنا من بينهن بطلة لقصتنا مرت بثلاثة سيناريوهات، تطور فكرها فتطورت طريقة تعاملها مع المتحرش، قررنا أن تكون هى البطلة فى القصص الثلاث، كتعبير عن تحدى النساء لهذه الظاهرة، فى غياب واضح للقانون الذى أصبح حبيس الأدراج ولا يقدر أحد على تنفيذه، فقط لأننا نعيش فى مجتمع يرى «الستات» هم السبب الرئيسى فى كل كوارث العالم والتحرش من بينها.
بطلة القصص الثلاث هى فاطمة الشريف، وتبلغ من العُمر 23 عامًا، متزوجة منذ عامين وفى انتظار طفلتها الأولى.
السيناريو الأول.. لحظة قرار الصمت على من انتهك جسدها
تحكى فاطمة عن تجربتها الأولى مع التحرش: «الحادثة الأولى كانت تحديدا فى أولى ثانوى، تقريبًا لا أتذكر جيدًا، الواقعة كانت فى الميكروباص، البداية كانت مع ولد صغير بدأ يتحرك بطريقة مريبة تجاهى، وبدأ بالتحرش، وقتها لم أفكر فى شىء سوى أن أتخلص من هذه الورطة وأن أخرج من هذه الحكاية سالمة دون أن يمسسنى شر، فكان رد فعلى على هذا التحرش أنى نزلت مسرعة من الميكروباص وكنت أشعر بخوف شديد مما حدث من دقائق، الأمر لم ينته عند هذه الواقعة البسيطة التى لا حجم لها بجوار حالات التحرش التى تحدث يوميًا فى شوارع المحروسة».
تستكمل فاطمة حديثها: «قررت أن أكتفى بما حدث لنفسى فقط، وكما يقولون كفيت على الخبر ماجور، الأمر لم يمر بسلام على نفسى، بل كان له تأثير سيئ لم أقدر على التخلص منه بسهولة رغم مرور الأيام، فقط قررت أن أمتنع قليلا عن النزول إلى الشارع أو التعامل مع أى شخص، وهذا الشعور تمكن منى طويلًا، وتخلصت منه بصعوبة شديدة، وكانت هذه هى التجربة الأولى لى فى هذا الملف الشائك».
السيناريو الثانى.. رحلتها مع المتحرش إلى قسم الشرطة
مرت الأيام واكتسبت فاطمة خبرة فى الحياة وجرأة فى التعامل، لم تعد قادرة على السكوت كما فعلت قبل سنوات، عن تجربتها الثانية مع قسم الشرطة تقول: «مرورًا بالثورة والأحداث فى البلد، وتغيير الوعى ومشاركتى فى الأحداث منذ 2010، قررت أن أنضم لإحدى مبادرات مناهضة التحرش فى 2012، وفى أيام عيد الأضحى فى نفس السنة تم التحرش بى لكن المرة دى رد فعلى كان مختلفًا تمامًا، وأمسكت الولد وسلمته لأقرب أمين شرطة فى شارع طلعت حرب، وتانى يوم رحت النيابة وكنت البنت الوحيدة اللى راحت تكمل محضرها، واتصنف المحضر هتك عرض وطبعا حصلت مشادات كلامية بين أهل الولاد كلها وبينى لأنهم شايفين إن أنا واللى زيى السبب فى التحرش وحرمنا عيالهم من فرحة العيد».

تضيف: «الولد أخد 4 أيام على ذمة التحقيق وخرج بعدها، كانوا عرفوا عنوان بيتى من أمين الشرطة اللى كان متعاطف معاهم جدًا، ومتضامن فى نفس الفكرة، وبدأ أهل الولد يعملوا مشاكل ليا ولأهلى ولإخواتى البنات عشان أتنازل لحد ما اتطمنوا إن المحضر اتحفظ أصلا».
السيناريو الثالث.. «العين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم»
تقول فاطمة عن تجربتها الثالثة: «فى 2013 على أول شارع بيتى الساعة 4 عصرا مجموعة من الولاد بيلعبوا ببندقية صيد ضربونى بخرزة فى جسمى، فقررت أقف وأزعق معاهم وتتبادلنا الشتائم، وبدأوا يكونوا دايرة من حوليا والشارع كان فى حالة من اللامبالة، فالوقت ده أنا كنت ماشيه بستيك فى شنطتى لأنى كنت من ضمن فرق إنقاذ الميدان أوقات الانتهاكات والتحرش الجماعى بالآلات الحادة، وقتها طلعت الاستيك عشان أدافع عن نفسى، وبالفعل مسكت ولد من التى شيرت وصممت إنى مش هسيبه غير مضروب»، مضيفة: «قرر يخبطنى بإيده وأنا مسكاه فقمت بضربه وفضلت مسكاه والناس بدأت تتدخل وتحاول تبعدنى عنه، وكأنى أنا الغلطانة وإزاى بضربه، وفى الوقت نفسه كان حد بيبلغ والدى فى البيت، بابا وصل وأنا ماسكة الولد بإيد والإيد التانية فيها الاستيك وعلى رقبته، منعنى بابا من إنى أضربه وقرر يخلص الموضوع». انتهت قصة فاطمة مع التحرش، ثلاثة مراحل اتبعت فيها جميع الأساليب الممكنة لمحاربة التحرش، رحلتها مع قسم الشرطة، وسكوتها عن الظلم، ووقت أن قررت أن تقتص لنفسها، ثلاث حكايات عاشتها فاطمة وتعيشها غيرها من الفتيات يوميًا.
افتكاسات مواجهة التحرش.. 8 طرق واجهت بها الفتاة المصرية «رزالة البشر» فى الأعياد
عاماً بعد الآخر يترسخ «التحرش» ويستمر.. ويتوغل.. وينتشر.. وينهال على رؤوس وأجساد الفتيات اللاتى يخطأن الخطأ ذاته كل عام بمجرد خروجهن للشارع فى أيام العيد، لتبدأ وقائع التحرش فى احتلال أخبار العيد، نلتقط الصور، نشجب التحرش، ونهتف ضده، نغلق على أنفسنا غرف الرصد ذاتها كل عام، ونخرج بنتائج مشابهة للأعوام السابقة على الرغم من محاولات المقاومة، وطرق التصدى المتغيرة التى نحاول تزويدها كل عام بكل ما هو مبتكر لمواجهة الظاهرة، فعلى مدار الأعوام التى تفاقمت خلالها ظاهرة التحرش الجنسى فى الشوارع، وخاصة فى مواسم الأعياد، ابتكرت الفتيات بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى عشرات الطرق المختلفة لمواجهة التحرش الجنسى بشكل عام، وفى الأعياد بشكل خاص، بداية من غرف العمليات، وحملات «امسك متحرش»، وحتى غرف العمليات والخطوط الساخنة، وابتكارات ضرب المتحرش وحمل الأسلحة، والتدريبات الجسدية لمواجهة المتحرشين، وغيرها من الطرق التى لم تجد نفعاً حتى الآن فى تطهير العيد من وصمة التحرش الجنسى فى الشوارع والمتنزهات والميادين العامة.

غرف العمليات السنوية الخاصة برصد تفاقم الظاهرة..
ظهرت غرف العمليات الخاصة برصد حالات التحرش فى الشوارع وخاصة فى الأعياد، وترجع المبادرة الأولى فى إنشاء هذه الغرف لمبادرة شفت تحرش التى تحصر كل عام على إنشاء غرفة عمليات مغلقة لرصد الظاهرة وتلقى البلاغات والخروج بعد كل عيد بإحصائيات حديثة عن نسب التحرش فى الشارع المصرى.
بلغى عنه وما تسيبهوش غير فى القسم..
دعوة أخرى انطلقت لتشجيع الفتيات على التوجه للقسم لتحرير محاضر ضد المتحرشين، هى الدعوة التى تزداد بقوة مع كل عام، وخاصة بعد الإعلان عن عدد البلاغات المقدمة ضد المتحرشين، والضغط المجتمعى الذى أدى للحصول على قانون واضح ومفعل لتجريم التححرش الجنسى العام الماضى، وهى الطريقة التى تعتبر من أنجح الطرق حتى الآن.
دوائر الحماية.. ونهايتها دايماً الضرب..
هى حملة انطلقت منذ حوالى ثلاثة أعوام، كفكرة أخرى لمواجهة التحرش، من خلال دوائر بشرية مكونة من فتيات وشباب، يتجولون فى الشوارع فى نهار الأعياد لرصد حالات التحرش الجماعى، ومحاولة تطويق الفتيات وحمايتهم، ومواجهة المتحرشين، وهى المحاولة التى باءت بالفشل فى معظم الأوقات نظراً لكثرة عدد المتحرشين، وصعوبة المواجهة.
علمى على المتحرش بالألوان..
واحدة من طرق مواجهة الظاهرة التى ظهرت مؤخراً، وتوسع الحديث عنها فى واحد من الأعياد السابقة، وهى حملة «التعليم على المتحرش» بالألوان، وذلك من خلال اقتراح أن تحمل الفتيات ألوانا فى حقيبتها، لقذفها فى وجه المتحرش ليتم التعرف عليه، أو كطريقة للتعليم عليه كما تضمنت الفكرة، وهى الطريقة الأشبه «بالتقليعة» لمواجهة التحرش.
خاتم التحرش.. الأبرة.. الشاكوش.. الحل فى «العنف»
خاتم التحرش، فستان الصبار، الشاكوش، الأبرة، رذاذ الفلفل والإليكتريك، هى الأسلحة التى أصبحت جزء من محتويات حقيبة الفتاة المصرية بعد أن أصبح التحرش عدو يعرف طريقه جيداً لأى فتاة قررت أن تمشى فى الشارع نهاراً أو ليلاً، ولجأت الفتيات لها للدفاع عن النفس، حتى وان كانت طرقاً غير مشروعة قد تعطيها حقها فوراً، بدلاً من الصمت ومواجهة المتحرشين بالضعف أو الخوف.
حملات الحكى والفضفة.. وماتخليش القصة تموت...
منذ عدة أعوام بدأت دعوات الحكى والفضفضة، ومشاركة حكايات التحرش فى الظهور بتشجيع من الحركات والمنظمات المناهضة للظاهرة، ونتاج للجهود المثمرة فى إثارة الموضوع الذى كان الحديث فيه من قبل يقترب من المستحيل، وتحول الأمر بعد فترة إلى مساحة حرة فتحتها تجارب فتيات تعرضن للتحرش وقررن مشاركة التجارب من خلال واحدة من طرق مواجهة التحرش بالحكى، وسرد التفاصيل.
اجمدى.. ودافعى عن نفسك
طريقة أخرى ظهرت لمواجهة المتحرش، من خلال كورسات الدفاع عن النفس، وتعليم الفتيات المهارات القتالية لمواجهة المتحرشين، الفكرة التى لم تحقق أهدافها نظراً لعدم خضوعها لقواعد المنطق، فحتى وان تعلمت الفتاة المهارات القتالية، فليس من المنطقى أن تتمكن من لعب مباراة كاراتيه فى عربة المترو على سبيل المثال لإنقاذ نفسها من المتحرش.

امسك متحرش.. افتكاسة شعبية «للقبض على المتحرشين»..
امسك متحرش، أو القوات الشعبية للتصدى للتحرش، والحصول على حق الفتيات «بالدراع»، كانت واحدة من الطرق التى ظهرت فى الشوارع من عدة أعوام، بعد أن طفح الكيل فى التصدى للظاهرة التى تزداد توسعاً كل عام، خرجت الفكرة بعد عدة مبادرات لمنظمات المجتمع المدنى المعنية بمواجهة التحرش الجنسى، وعلى رأسها مبادرة «شفت تحرش».
