من أهم التجارب العالمية فى تحقيق التنمية الزراعية هى التجربة الصينية، فالصين التى كانت تفرض كل إجراءات التقشف القاسية على مواطنيها، نظرًا لتفشى الفقر والجوع وكان عدد سكانها ثلث العدد الحالى تقريبًا، تحولت إلى واحدة من أكبر الكيانات الاقتصادية العالمية، استطاعت أن تخرج بهم من حيز الفقر إلى الاستقرار الاقتصادى.
هذه الطفرة لم تكن وليدة اللحظة وكانت البداية حين انتبه قادة الصين إلى الفجوة الهائلة بينهم وبين دول أخرى أكثر تميزًا فى تحقيق التنمية، ففى أواخر السبعينيات اتجهت إلى تبنى سياسات الإصلاح الريفى، وربطته باقتصاد السوق، وسمحت للاستثمار الأجنبى فى التزايد المستمر، وفى أوائل التسعينيات كثفت الصين من جهودها فى الانفتاح الاقتصادى المنظم على السوق العالمى، واستطاعت الصين الاستفادة من أهم مميزات النظم الاقتصادية وتفادى عيوبها.
حرصت أيضًا على إحداث التوازن بين الانفتاح والحفاظ على دور الدولة للتدخل فى الاقتصاد بكل انواعه، ومن أهمها الاقتصاد الزراعى، فقد حرصت فى خططها الخمسية دائمًا على إعطاء أولوية لقطاع الزراعة، وزيادة دخل المشتغل بالزراعة، وتحسين مستواه المعيشى، استطاعت من خلال ذلك تحقيق اكتفاء ذاتى مع زيادة فى الإنتاج الزراعى منذ الخطة الخمسية التاسعة من 1997-2001، وحافظت على تحقيق معدلات التنمية حتى الآن، وتبنت مع خطتها إنشاء مجمعات زراعية أساسها الملكية التعاونية، وتنظيم النشاط الزراعى طبقًا لتوجهات واحتياجات الدولة والسوق العالمى.
وفى الآونة الأخيرة اهتمت الصين بإشراك القطاع الخاص فى مشروعات التنمية، بإسناد بعض المشروعات إليها وأن يكون التنفيذ تحت إشراف الحكومة، وتوفر فرص العمل وتكون الأولوية للمشروعات التى تقوم عليها العديد من الصناعات فى شكل مجمعات ضخمة، وخطوط إنتاج متكاملة نفذتها وتديرها شركات خاصة، ولكنها تساعد فى تحقيق أهداف التنمية الزراعية ليصبح عائد المشروعات التنموية للمجتمع وأصحاب رءوس الأموال، وأيضًا يحقق الخطط والاستراتيجيات التى تضعها الحكومة.
ومن أهم عوامل النجاح فى التجربة الصينية للتنمية الزراعية، حرصها على تذليل كل العقبات أمام المستثمرين خاصة المحليين، ولا توجد عندهم العقبات التى تواجه المستثمرين فى الكثير من البلدان، مثل مشكلة شيوع المسئوليات وتعدد ولاية الوزارات على الأراضي، ما ساعد على زيادة الإنتاجية للدولة فى مجال المشروعات الزراعية والتنموية، ومن صور رعاية الحكومة للمشتغلين فى النشاط الزراعى أنها تتبنى أبناءهم فى مراحل التعليم المختلفة حتى تتفادى التسرب من التعليم، وتخصص الصين مليارات "اليوانات"-العملة الصينية- سنويًا لدعم النشاط الزراعى، وتضخ من البنوك مبالغ هائلة للاستثمار الزراعى.
لم تنظر الصين إلى قلة الموارد على أنها معوق للتنمية، ولا إلى زيادة السكان على أنها عبء على كاهل الدولة، بل تبنت سياسات تنموية استطاعت معها تقليل الفجوة مع العالم كله، وتجاوزت ذلك وحققت الاكتفاء الذاتى، وأصبحت أكبر سوق تصديرى للعالم كله فى كثير من مجالات الإنتاج وتوفير احتياجات السوق العالمى.
* باحث بمركز بحوث الصحراء
د. أحمد إسماعيل يكتب: التجربة الصينية والتنمية الزراعية
الثلاثاء، 22 سبتمبر 2015 05:05 م
ارض زراعية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة